لم تكن أبدا موفقة تصريحات المسؤولين وهم يحاولون تبرير ما حدث بسبب أمطار الساعات الثلاث بجدة، التي راح ضحيتها أكثر من مائة إنسان، ولو كنت مكانهم للذت بالصمت بدلا من هذه التصريحات التي تزيد من وقع المأساة لتهافتها وتناقضاتها. فأمين الأمانة يعترف بأن 70 في المائة من أحياء جدة بلا مصارف!، ثم يأتي وزير النقل جبارة الصريصري ليؤكد بعد تفقده للأضرار التي لحقت بجسر الجامعة وما فعلته السيول في طريق الحرمين، بأن لا أخطاء هندسية في الجسور والطرق!. ثم يدلي وكيل الأمانة بدلوه في حملة التبريرات قائلا بأن المناطق المنكوبة هي مناطق عشوائية تم إنشاؤها بليل، أي أنها غير شرعية وبلا صكوك، ولم يأخذ أصحابها أي تصاديق أو تصاريح من أية جهة حكومية لبنائها، إلى أن جاء السيل فكشفها للمسؤولين!. الشيء الغريب أنهم أسهبوا جميعا في الحديث عن حاجتهم للمال بالمليارات، في حين أنهم يعدوننا بمدينة لا تقل في مستواها عن طوكيو، والآن يقولون لنا أن المدينة لا توجد بها شبكة صرف، وأن منسوب المياه المتدفق من السيول يتجاوز قدرة المصارف الموجودة بما لا يقارن، علما بأن الوقت الذي استغرقه هطول الأمطار كان ثلاث ساعات ولا ندري كيف سيكون عليه الحال إذا ما استغرق هطولها ست ساعات؟!. الحديث عن الإمكانيات المادية يستفز الواحد ويكاد يمزقه الغيظ، لأننا نعرف أن ميزانية الأمانة بالمليارات، وهي أكبر من ميزانيات وزارات كثيرة في منظومتنا العربية والأفريقية، ورغم هذا نحن جميعا لم نأت من كوكب المريخ لنجهل بأن العمل في طرقنا طوال العام لا يتوقف، والشارع الذي يحفرونه اليوم تأتيه بعد شهور قليلة فتجدهم يعملون فيه من جديد، ما الذي يفعلونه؟ لا أحد يعلم!، فأنت ترى بعينيك طرقنا وهي تعاني من الحفر والمطبات، مما لا تجده في دول تعاني من الفقر ويعاني اقتصادها من أنيميا حادة. يستفزك الحديث عن قلة الموارد المالية، لأن التجاوز يكاد يعلن عن نفسه جهارا، وأنت لا ترى إنجازا على الأرض يساوي أو يقارب ما هو مرصود من أموال في ميزانية أمانة جدة، مثلما يستفزك الحديث عن جهلهم بواقع وقانونية هذه الأحياء القديمة العريقة!. في المجتمعات التي يعرف فيها المسؤول معنى الثقة التي يوليها إليه من شرفه بالخدمة العامة، يتقدم المسؤول باستقالته معلنا مسؤوليته عن الخلل والتقصير الذي حدث في مرفقه، بل إن عذاب الضمير يصل في بعض الدول بالمسؤول إلى الانتحار، ونحن لا نطلب من الذي يخون ثقة ولاة الأمر التي شرفوه بها أن ينتحر، فهذا حرام في شريعتنا، ولكننا نتوقع منهم أن يعتذروا ويعترفوا، ثم يتقدموا باستقالاتهم، وهذا أبسط ما يجب أن يفعله من فشل، لا أن يسوق مبررات تبعد عنه المسؤولية لا تقنع طفلا، فهذا إن دل فإنما يدل على استخفاف واستهتار بعقول الناس وذكائهم، وصحيح ما قيل قديما «إن لم تستح فافعل ما شئت» بتحوير بسيط تحل فيه كلمة «فقل» بدلا «فافعل». وعلى كل حال فإن الكارثة قد حدثت، إلا أنه في العمل العام يوجد هناك شيء اسمه «المسؤولية» وهناك قاعدة تستتبع المسؤولية وهى المحاسبة والثواب والعقاب، وما أراه أننا نهمل هذه القواعد في العمل العام، وأعتقد أن الوقت قد حان لتفعيلها، وبأثر رجعي، حتى نضمن عدم تكرارها مستقبلا، وحتى لا تزهق أرواح الناس بسبب الفساد والإهمال، شكرا خادم الحرمين وبقرارك خففت المصاب على المصابين. الله لا يشمت بنا الأعداء. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة