ابتداء أتقدم بعزائي لكل الأسر التي تحولت أعيادها إلى مآتم، وأشعر أن كل مواطن في بلادنا يحمل هذا الشعور المؤلم، مؤلم لأن الفرح تحول إلى ترح، مؤلم لأن أسباب الألم كان من الممكن تلافيها أو معظمها لو أن بعض الناس كان يحمل هم الآخرين وليس هم التفكير في كيفية أخذ ما لا حق له فيه ظلما وعدوانا وعلى حساب حياة الآخرين التي يتحدث عنها بأقواله وتأبى أفعاله الآثمة أن تترجمها واقعا عمليا يراه الناس. وما كنت لأكتب عن هذا الموضوع لأنني مصاب بكثير من الإحباط مما أراه، وقد كتبت عشرات المقالات وعلى مدى ثلاثة عقود، ونادرا ما أرى أن هناك نتيجة إيجابية مما أكتبه أو سواي، ولكن كلمة خادم الحرمين الشريفين أوجدت في نفسي اطمئنانا كبيرا، وعندما سمعتها حمدت الله وقلت: لعل نهاية الفساد قد اقتربت، ولعل المقصلة تفعل فعلها، ولعل الإصلاح ينبلج نوره وتشرق أنواره على بلادنا كلها. كارثة جدة ينبغي أن تفتح جميع الملفات، وفي كل مناطق المملكة، وأنا هنا بكل وضوح لا أتحدث عن شخص بعينه بقدر ما أتحدث عن مظاهر فاسدة أراها رأي العين كما يراها آخرون، ومن حق كل مواطن أن يتساءل: لماذا يحصل كل ذلك، ولماذا يتكرر كل ذلك في هذه المنطقة أو تلك، من المسؤول عن هذا كله، وكيف السبيل إلى وقفه؟!! عندما تحدثت قبل بضعة أسابيع عن الفساد في كيفية تنفيذ أنفاق الدمام لم يعجب ذلك المقال معالي الأمين مع أن الفساد في طريقة تنفيذها واضح للعيان، ولست أدري لو أنني تحدثت عن الجسر الذي سقط أثناء تنفيذه كيف سيكون شعور معاليه؟! كل الذي قلته آنذاك: هناك فساد واضح، حاسبوا المفسدين قبل أن تقع كارثة لا نعلم مقدار أضرارها.. مع ذلك كان كلامي المهذب جدا مزعجا يصعب هضمه. وبعد كارثة جدة التي لا أعلم كم سيصبح عدد شهدائها عندما ينشر مقالي ولا أرقام الخسائر الهائلة التي لحقت بالناس من جرائها لا بد من القول: إن ما حدث في جدة قد يحصل في أية منطقة أخرى إذا تأخر الحساب وتركت أرواح الناس في أيدي العابثين!! كلنا نعرف أن كميات الأمطار في بلادنا قليلة جدا قياسا إلى كمياتها في مناطق أخرى أقل منا بكثير في إمكاناتها المادية، خاصة في المناطق الغربية والشرقية وربما الوسطى أحيانا ومع هذا ففي كل سنة نرى أن هذه الأمطار على قلتها تفضح أعمال الأمانات والبلديات مع تفاوت بين منطقة وأخرى فالشوارع يصعب أحيانا السير فيها لعدم وجود تصريف لمياه الأمطار، والأنفاق تمتلئ أحيانا ويتأخر تصريف مياهها، وربما يدخل الماء في بعض المنازل وهكذا تتكرر هذه المآسي كل سنة رغم الأموال الكبيرة التي تنفقها الدولة على مشاريع تصريف المياه.. وفي كل سنة يتكرر هذا السؤال: أين ذهبت تلك الأموال؟ّ! لماذا لا نرى أثرها على الواقع؟!! وبطبيعة الحال ما من مجيب، فكل تلك الأسئلة تذهب أدراج الرياح.. كارثة جدة تعطي دلالة واضحة على الأهمال الذي نراه، بل وبكل أسف على عدم الاكتراث بحياة الناس وحقوقهم، وبكل أسف أيضا على المكابرة المقيتة وعدم الاعتراف بالخطأ مهما كان حجمه!! وكيل أمانة جدة المهندس إبراهيم كتبخانه يصرح لصحيفة «الرياض» في 13 ذو الحجة أن ما حدث يعد كارثة طبيعية وهذه الكوارث تحدث في كل أنحاء العالم!! سعادة الوكيل أراد أن يقول: كل هؤلاء الأحياء منهم والموتى، لماذا تغضبون؟! ما حدث لكم ولموتاكم لا يستدعي أي شكوى لأن ما حدث كارثة طبيعية ينبغي أن تتقبلوها راضين؟! أرأيتم أجمل من هذا القول وفي هذه المناسبة؟! ولكن لماذا هي طبيعية يا سعادة الوكيل؟! وسؤالي موجه لكل من يدعي أنها طبيعية يجب عدم مناقشتها أو محاسبة المتسببين فيها: من سمح لكل المئات الذين بنوا مساكنهم في أماكن تعرفون أنتم ولا أعني هنا الوكيل بل من سبقه أنها مجرى للسيول وأن البناء فيها يشكل خطورة على حياتهم؟! من سمح لهم بإدخال الكهرباء والماء؟! هل مثل هذه المساكن يمكن تسميتها بالعشوائيات؟! أم أن الذي سمح لهم بكل ذلك هو العشوائي الذي لا يدرك ماذا يفعل؟! ثم حديثك عن نفق الملك عبد الله الذي غمرته السيول وفقد فيه البعض أرواحهم بأن المضخات التي فيه لم تقم بواجبها لأن كمية المياه كانت أكبر من طاقتها؟! ألا قاتل الله تلك المضخات على إهمالها؟ ألم تكن تعرف بدقة أن هناك كمية محدودة تنزل من السماء كل سنة ينبغي أن لا تزيد فلماذا إذن قصرت في مهمتها؟! ولعلي هنا أطلب من الجميع أن يضعوا اللوم على مضخات الأنفاق في كل مناطق بلادنا إذا تكررت مثل هذه المأساة في أي مكان فليس لها لسان تدافع به عن تقصيرها! لعل سعادة الوكيل لا يعرف أن مدير عام المشاريع في الأمانة تحدث قبل سنتين مع صحيفة «الرياض» وأكد أن هناك ملياري ريال اعتمدتها الأمانة للإنفاق على تصريف السيول الحالية والمستقبلية وأن هذه المشاريع ستغطي كافة مناطق جدة!! المدير العام نفسه ولصحيفة الرياض نفسها وفي التاريخ ذاته أكد أن مشاريع الصيانة والنظافة لقنوات مياه الأمطار قد انتهت في المناطق الشمالية والجنوبية في جدة!! هل يمكن أن نجد تفسيرا لكل هذه الأقوال على ضوء ما حدث؟! ثم أين المليارات التي صرفت؟! الملك قالها بصراحة: يجب الاعتراف بالخطأ إذا حدث؟ وقال أيضا: إن هناك بلادا لا تملك إمكانات بلادنا، وأمطارها أكثر بكثير من أمطارنا ومع هذا لم يحدث فيها مثل ما حدث عندنا فلماذا؟! وأتساءل: لماذا لا يجرؤ الكثيرون على قول ما قاله الملك؟! لماذا لا يملكون شجاعة معقولة ليعترفوا بأخطائهم؟! المحاسبة جزء من القانون الإلهي، وجزء مهم من القانون البشري، ولا تستقيم الحياة بدونه وإلا تساوى الصالح والطالح ولفسدت الحياة كلها، ومن هنا طالب الملك في كلمته اللجنة التي أمر بتشكيلها بأن تحاسب وتستدعي كل من تورط في الفساد مهما كانت منزلته ومكانته، كما طالب اللجنة أن تقوم بعملها سريعا، وهذا مؤشر واضح على حرصه على تحقيق العدالة وبسرعة لكي يطمئن المواطنون إلى أن العدالة ستصبح شعار المرحلة القادمة. أمر الملك حفظه الله بصرف مبلغ مليون ريال لكل رب أسرة فقدت شهيدا، كما أمر بتعويض المتضررين وبحسب رؤية اللجنة التي أمر بتشكيلها، والأمل أن تتحرك هذه اللجنة سريعا لأن معظم الناس بحاجة ماسة إلى هذه التعويضات لأنهم فقدوا معظم ممتلكاتهم. وأعتقد أن من حق المواطنين الشرعي والنظامي أن يقاضوا المسؤولين عما حصل لهم، سواء أكان هؤلاء على رأس العمل أم في أي مكان آخر، كما أعتقد أن من واجب اللجنة أن تحاسب جميع المقصرين في أي مكان كانوا لأن هذا التقصير «الفساد» ليس وليد اليوم، والفاسد يجب أن يعاقب لأن جريمته لا تسقط بالتقادم. من المألوف في بعض الدول أن يسارع بعض المسؤولين بالاعتراف إذا حصل أي شيء بسببهم ولو من بعيد، ولأنني أستبعد أن يحصل شيء من هذا عندنا لا سيما وقد تعودنا على تبرير كل ما يحصل إلا أن خطاب خادم الحرمين سيضع حدا لكل ما حدث من سوء أو ما قد يحدث مستقبلا؛ لأن مبدأ المحاسبة بدقة سيجعل الكثيرين يترددون قبل أن يفعلوا أي شيء يخالف الأنظمة، ومن أمثلتنا: من أمن العقوبة أساء الأدب.. سؤال أخير: لماذا لم يواكب إعلامنا الرسمي الحدث بكل مآسيه بدقة ومهنية؟ ولماذا لم يتحدث بعض الكتاب كعادتهم في أحداث لا تعد شيئا بجانب هذا الحدث؟! موقف إعلامنا جعل الكثيرين يتجهون إلى مواقع أخرى لمعرفة ما يحدث، وما كان هذا مفيدا بكل الأحوال ولكن ماذا يفعل الناس وهم لا يجدون المعلومة التي يريدون من إعلامهم؟!! للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 213 مسافة ثم الرسالة