لا تستطيع -وإن أوتيت قوة- أن تحاكي نشاط ثلاثة شبان يتحركون كالنحل بين خيام 640 حاجا في منى، يقفون بسعادة على رأس كل منهم ويبتسمون، وإن صرخ في وجوههم طالب خدمتهم. يطفئون جفونهم 3 ساعات في اليوم، وإن فوتت عليهم كثافة العمل تلك الفرصة.. فلا زعل، فهذا قدرهم مع قلوبهم المعلقة في الخيام منذ نعومة الأظافر. يبحث جزا المطرفي (20عاما) عن دروس الإدارة وتجارب تحمل المسؤولية في الخيام التي يشرف عليها، ويؤمل نفسه وهو يرابط على مداخلها أن تكون منها بدايته لتحمل زمام منصب إداري كبير. يتخصص عمر في الهندسة المدنية، لكن تفكيره وشغفه يغادرها إلى مهمة خدمة الحجاج في مثل هذا الوقت من كل عام، ويقول «حب تخصصي الهندسي وخدمة الحجاج متساويان، والعدل بينهما يكمن في البحث عن وظيفة عمر تربط بينهما، أنا أسعى لعمل يكون قريبا من هذه الخيام». ولكن حال زميله عبد الله القرشي (19 عاما) تختلف كثيرا، فالخيمة التي يقف عليها ممتلئة بعشرات الإعلاميين، وهو التخصص الذي يدرسه في جامعة أم القرى، ورغم ذلك لم يحاول أن يجالسهم ليكتسب منهم خبرة، فاهتماماته الآن محجوزة بالكامل لطلبات الحجاج واحتياجاتهم. يجلس عبد الله في مكتب الاستقبال منذ 4 أيام، ولأن الدقائق محسوبة عليه فهو لم يعايد أمه التي تسكن بالقرب منه في أحد أحياء مكة، هو مهووس بالخيمة حد الانشغال عما سواها. أما متعة عمر عابد القرشي (21عاما) فهي المشقة والتعب التي يجدها عندما يتعامل مع الحجاج، عمر هذا يشعرك أن معادلات العمل تختل أمام خدمة الحجاج: يفرح ويضحك ويطيل ابتسامته إذا أنهك، ويحزن إذا جف العمل. أمام كل مخيم في منى، عشرات الشبان السعوديين يحرثون ممراتها طولا وعرضا 20 ساعة في اليوم، والباقي لراحتهم، متعاونون بلا وظائف رسمية لا يشغلهم سوى نداءات الحجاج لهم، يتلذذون بمتعة العيش أمام أبوابها وإن كانت متعة بنكهة الشقاء.