المواجهات المسلحة التي خاضتها قواتنا المسلحة في الجنوب قدمت دليلا على حسن إدارة الصراع من جانب الحكومة. ويظهر هذا خصوصا في جانبين: عسكري تمثل في سرعة المبادرة والتركيز على حسم المعركة في وقت قصير نسبيا، وسياسي تمثل في حصر الصراع ضمن اطاره العسكري، ورفض توسيعه إلى ما يجاوز حدوده الجغرافية والسياسية الخاصة. في تجارب مشابهة في دول أخرى فرضت الحكومات إجراءات مشددة في كل البلاد على المستوى الأمني والاقتصادي والإعلامي والاجتماعي جعلت الجميع يشعر كما لو أن كل مدينة وقرية قد دخلت الحرب فعليا. لكن ما حصل خلال الأسابيع الثلاثة المنصرمة جعلت الجميع يشعر أن القوات المسلحة تتولى المهمة بكاملها وأن بقية البلاد تعيش حياتها الطبيعية دون قلق. لا يتمنى أحد أن تقع أزمة أخرى ونسأل الله أن يجنبنا وبلادنا كل سوء. لكن الحكمة تقضي بأن نبدأ منذ الآن في دراسة هذه التجربة من أجل الخروج بجواب شامل على سؤالين افتراضيين: 1- ماذا نفعل، على مستوى الحكومة وعلى مستوى المجتمع، لو قامت أزمة مماثلة صغيرة أو كبيرة؟. 2- ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لإعادة الأوضاع في مناطق الاشتباك إلى طبيعتها فور انتهاء الأزمة؟. في كل معركة، محدودة أو واسعة النطاق، تبرز متطلبات استثنائية تستدعي تحركا استثنائيا لجميع الفاعليات الرسمية والأهلية، غرضها الأول إنساني يتمثل في تخفيف الأضرار والمعاناة التي تنتج بصورة طبيعية عن أي اشتباك مسلح وتقع بالدرجة الأولى على السكان المدنيين في منطقة الاشتباك، وغرضها الثاني سياسي يتمثل في حصر تلك الأضرار ضمن نطاقها المادي والجغرافي الخاص والحيلولة دون تحول الاشتباك المحدود إلى أزمة على المستوى الوطني. بعد أن تهدأ البنادق وتتوقف المواجهات المسلحة، تبدأ مهمة أخرى هي إعادة السكان إلى قراهم التي أخليت أثناء المعارك، ومساعدتهم على استعادة حياتهم الطبيعية. النزوح القسري يؤدي إلى توقف الأعمال واضطراب مصادر العيش، بدءا من المصادر التي تتطلب عملا في مواسم خاصة مثل الزراعة، مرورا بالمصادر الأخرى التي يضطر أصحابها إلى العودة إلى نقطة الصفر إذا انقطعوا عنها لفترة. فوق ذلك، فإن الحرب والنزوح والخسائر البشرية والاقتصادية تخلف آثارا في النفوس والعلاقات الاجتماعية والعائلية تستدعي تدخلا واسع النطاق من جانب القطاع الطبي والطب النفسي، الأمر الذي يتطلب تحركا استثنائيا في هذا المجال في مخيمات النازحين، ثم في قراهم بعد أن يعودوا إليها. نعرف الآن أن القوات المسلحة لديها خطة لمواجهة الطوارئ، فعدا عن سرعة الرد، وجدنا مساعد وزير الدفاع في ميدان المعركة في أسبوعها الأول، وهذه مبادرة تحسب لسموه. لكن لم يتضح موقف الجهات الأخرى في الحكومة. وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية، وهي دور الإعلام الوطني. حيث أظن أن وزارة الإعلام كانت غائبة إلى حد كبير عن ميدان الصراع خلال الأسابيع القليلة الماضية. التغطية الإذاعية والتلفزيونية لم تكن في مستوى الحدث، والتسهيلات التي ينبغي تقديمها للصحافة المحلية لم تكن ملحوظة، والتوجيه العام الذي يمكن أن نسميه بالوجه الثقافي للمعركة لم يكن مشهودا أو بارزا. على هذا المستوى كان أداء قناة العربية مثلا أفضل من أداء التلفزيون الرسمي، كما تباين أداء الصحافة المحلية، ولا سيما على مستوى التغطية الإخبارية. فبعضها قدم مادة معقولة وبعضها كان فقيرا إلى حد غير مقبول. لكن جميع الصحف المحلية لم تعالج الحدث بالمستوى المناسب لحجمه وكونه مصدرا لمادة جذابة. يمكن الآن تلافي هذه النواقص، ويمكن للإعلام أن يلعب دورا فعالا في استنهاض الجهد الأهلي والرسمي لمعالجة آثار المواجهات. يمكننا أن نبدأ ولو بالحد الأدنى، الذي يمكن أن يتمثل في سؤال لكل وزير عما إذا كانت وزارته قد وضعت بالفعل خطة عمل ورصدت ميزانية لمساعدة المتضررين في منطقة الاشتباك، وصولا إلى إثارة النقاش حول جميع ما ينبغي فعله اليوم وفي المستقبل إذا حدثت - لا سمح الله - أزمة أخرى. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة