إذا كنت تسير في طريق الحرمين في مدينة جدة فالتفت شرقاً لترى البندقية الإيطالية لكن من نوع آخر، إذ تحاصر مياه الصرف الصحي منازل حي السامر 3 (التوفيق) من كل اتجاه، صحيح أن منظر المياه جميل من بعيد لكنه مقزز برائحته الكريهة عن قرب. يقضي ساكن التوفيق يومه وهو في حالة صراع مع البعوض والماء الآسن، والمعركة تبدأ من المسجد حتى المنزل مروراً بالمدرسة وتفاصيل الحياة اليومية، إنها معاناة حقيقية، المنازل بدأت تتآكل جراء زحف المياه على الأساسات وصبر السكان بدا ينفد. «عكاظ» جالت في الحي وخرجت بالتفاصيل التالية: يقع حي التوفيق في شرق محافظة جدة، ويقطنه قرابة ثلاثة آلاف نسمة، يوجد فيه مدارس لكافة المراحل التعليمية بين بنات وبنين، وهو منشأ على مجرى السيل المحاذي لبحيرة شهيرة باحتوائها على مياه الصرف الصحي، يحتوي الحي على جوامع للصلاة كتب السكان على لوحة في مدخل مسجد للحي: إلى متى ونحن ننتظر .. تصدعات مستمرة، تهديد مستمر بالأمراض والأوبئة، بيئة غير صحية، تشققات وطفح، أرصفة مهترئة وتربة مشبعة بمياه المجاري، مساجدنا ومدارسنا أصبحت محاطة بالمياه العفنة .. لا حياة لمن تنادي وإلى الله المشتكى. إنها رسالة واضحة تعكس حجم الضرر الذي لحق بالناس. يقول صالح الزهراني أحد قاطني الحي «أمانة بريمان والشركة الوطنية للمياه لم تتجاوبا مع شكاوى المواطنين، رغم كثرة البلاغات الرسمية على الرقم المخصص، ما حدا بالأهالي إلى رفع شكوى إلى أمين محافظة جدة لإيجاد حل جذري للمشكلة إلا أن ذلك لم يجد نفعاً أيضاً». ويؤكد إمام جامع الحي أحمد الزغيبي أن المياه منعت المصلين من الدخول إلى المسجد لأداء الصلاة «بل زاد الأمر سوءاً بعد أن تنصلت بلدية بريمان الفرعية عن مسؤوليتها تجاه المشكلة، ما دعا سكان الحي إلى تعليق لوحة عند مدخل الجامع محملة بالصور التي تحكي معاناة الأهالي مع محاصرة المياه لجامع ومدارس ومنازل الحي، إضافة إلى نداءات استغاثة تتوسط اللوحة لعل أحد مسؤولي الأمانة يراها بعين الرحمة فيساهم في إيجاد الحل». ويشفق محمد الشهري القاطن بجوار مدرسة البنات على الطالبات «الامانة أمرت بنزح المياه الطافحة في المدارس إلى الشارع العام ومن ثم يأتي دور الأمانة في سحبها من الشارع»، إنها كارثة بيئية حقيقية، هكذا قال الشهري. من جهته، أوضح الناطق الإعلامي في أمانة جدة محمد اليامي أن مشكلة طفح المياه الجوفية في حي التوفيق أو أحياء المحافظة الأخرى تكمن في ثلاثة أسباب، أولها طفح مياه الصرف الصحي من مخلفات المنازل، والأمانة تتبع آلية معينة فور وصول البلاغ، حيث يتم إنذار المتسبب في الطفح بنزح المياه على الفور لحين انتهاء مشروع الشبكة، وفي حال عدم تجاوبه يتم اتخاذ العقوبات المقننة مسبقاً بحقه. ثانياً، يسهم ارتفاع منسوب المياه الجوفية في حي التوفيق وفي الأحياء الأخرى في تفاقم المشكلة؛ نظراً لعدم وجود شبكة تصريف لمياه الصرف الصحي. ثالثاً، يحدت في بعض الأحياء ما يسمى ب «الطفح»؛ وذلك لكون الوارد إلى محطات التصريف أكبر من قدرتها الاستيعابية، وهذه المشكلة تعود إلى الشركة الوطنية للمياه. وأكد اليامي أن الحل الجذري لمشكلة الطفح المائي في الأحياء بشكل عام سيكون مع الانتهاء من مشاريع الشبكة الرئيسية للصرف الصحي في مدينة جدة «وسيسهم ذلك في إنهاء معاناة أهالي الأحياء الواقعة شرق طريق الحرمين عبر توقف تفريغ صهاريج مياه الصرف الصحي في بحيرة المسك حال انتهاء مشروع الشبكة».