الإعلام العالمي تغير كثيرا في سنوات قليلة، وساهم التطور التقني تحديدا في قلب المعادلة الإعلامية القديمة، وتطوير أساليب جديدة في إنتاج وتقديم واستهلاك الأخبار، والمذكور يلعب دورا محوريا في طريقة فهم الجمهور لما يعرض عليه، وأيضا الصحافي في القرن الواحد والعشرين أصبح مطالبا بمهارات إعجازية، والمقصود أنه في نسخته الحالية، لا بد وأن ينتج أعمالا قابلة للاستثمار في وسائل إعلامية متنوعة، وأن يوفق بين المهنية والسرعة في القيام بهذه الأعمال وبكلفة وراتب متواضع وإلا فالتسريح مصيره المؤكد، خصوصا مع الأزمة الاقتصادية العالمية وشروطها القاسية، والأمور السابقة صعبة بطبيعة الحال، ومن نتائجها تقديس الشكل على حساب المضمون، والإثارة المبالغ فيها، والاستماتة لاستمالة الجمهور والمعلن معا وبأي ثمن، وقرأت أن الصحافي الذكي في الدول الغربية، لا يكتب خبرا سيئا أو سلبيا عن معلن في الجريدة، لأنه إن فعل قد يضع وظيفته ومستقبله على المحك أو يتعرض للإقالة المباشرة، أو قد يجبر على تقديمها بأساليب ملتوية وغير نظيفة، وتوجد قناعة راسخة عند المحسوبين على مهنة الصحافة، أو المستفيدين منها في تحقيق مصالح غير صحافية، ترى بأن «الموضوعية» و«الحقيقة» مجرد شعارات فارغة توظف لأغراض معينة، ولا علاقة لها بالواقع الصحافي، وهؤلاء يلتزمون بالواقعية والمواقف المطاطة والمشبوهة في ممارساتهم الصحافية، ويتكلمون عن المثالية في تنظيراتهم وحوارتهم مع الآخرين، ثم يتعاملون مع الإعلام على طريقة ألعاب «الننتندو» أو «البلاي ستيشن». الأوضاع الصحافية في هذه الأيام تدهورت جدا، لدرجة أن مراجعة المراسلين والصحافيين لمصادر أخبارهم تحولت إلى ترف لا يمارسه إلا مجموعة صغيرة من أصحاب المبادئ، والبقية تعتمد كليا على ما يقوله أو يصرح به الرسميون أو من ينطق بأسمائهم أو نيابة عنهم، إضافة إلى ما تنقله وكالات الأنباء، وهو ما أسس لنوع من الصحافة أسماه البريطاني نيك ديفيس (2008) ب «شورنالزم» وهذا الصنف الإعلامي يلجأ إلى الأخبار والتقارير والتحقيقات المعدة سلفا، وينتج منها مواد صحافية بدون كلفة تذكر وفي زمن قصير، وطبعا، كما ذكرت، دون مراجعة أو تثبت قبل النشر أو النقل، ولن أشير إلى الأمثلة المحلية حتى لا أقع في حرج، وعموما هي معروفة لمن يراقب، وهناك أخطاء محدودة وقعت فيها بعض الصحافة المطبوعة والمحطات الفضائية وتراجعت عنها، أو نقلت في غيرها التصحيح وأهملت الخطأ أو لم تعترف بدورها في نشره وتعميمه وأنها كانت سببا رئيسيا في ما أدى إليه من نتائج كابوسية أو مزعجة أو مستفزة. الثورة الرقمية، مثلما قلت في البداية، تتحمل المسؤولية الأولى في الوصول إلى هذه الحالة غير المرضية صحافيا، ومن المفارقات أن إحلال الكمبيوتر محل العنصر البشري في الإعلام صب في مصلحة الصحافيات، والموضوع بالمناسبة بدأ قبل الأزمة الاقتصادية وما زال مستمرا، وكان الهدف المعلن غربيا هو إرضاء الحركات النسوية والانتصار لحقوق المرأة، ولم يأخذ في اعتباره الكفاءة والتأهيل في تفضيل المرأة على الرجل، وللأمانة المرأة «ملقوفة» بطبعها و«النميمة» جزء من تكوينها، وقد تعمل بالمجان لإشباع هذه المسائل، والمعنى أن احتمالات نجاحها أكبر من الرجل في أخبار الإثارة والفضائح والتحقيقات الصحافية، والأرباح مرتفعة في الأبواب الصحافية الأخيرة، وكتبت مارغريت غرانر (1995) في دراسة معروفة تناولت فيها تسعا وثلاثين دولة، ومائتين وتسعا وثلاثين مؤسسة إعلامية حول العالم، إن النساء يشكلن ما نسبته ستة وعشرين في المئة من العاملين بنظام الدوام الكامل في الإعلام الدولي، والنسبة في رأيي قابلة للارتفاع والانخفاض حسب الدولة، وفي بريطانيا مثلا ومن الذاكرة، تتساوى نسبة الصحافيين مع الصحافيات في بعض الإحيان، والاحتمال وارد بأن تتجاوز أعدادهن أعداد الرجال في وظائف إعلامية معينة، وذكرت بيتينا بيترز (2001) أنه ورغم أن الصحافيات يمثلن ثلث العاملين في مجال الإعلام أيا كانت جنسيته إلا أن نسبتهن في الوظائف القيادية أقل من واحد في المئة. بالتأكيد المتابع العربي يستطيع أن يقف على هذه الحقيقة بسهولة في شاشاته وإعلامه، ويكفيه مرور سريع على المحطات الفضائية العربية، ليعرف أن النساء يقدمن معظم البرامج فيها، والحضور النسائي العربي يتم غالبا لأسباب تجارية واستهلاكية، ولا علاقة له ب «تمكين المرأة» أو المساواة في الفرص والحقوق أو العبارات الرنانة الأخرى، والشيء الآخر أن الإعلام العربي والغربي، حتى لا نظلم الأول، أصبح منحازا بدرجة واضحة ومكشوفة، إلى الأخبار الخفيفة والهامشية، والجاد والسياسي والثقيل في الإعلام، ومعه كل ما يحرك ذهن المشاهد ويحرضه على «تشغيل» عقله وليس عضلاته أو أعضائه، لا وجود له إلا في أحوال نادرة، والسلوك الإعلامي الأخير يعتبر في عرف الدول الغربية، واستنادا لما قاله روبرت مان (2005) مؤشر خطر وانحدار في الفعل الديموقراطي والعملية الديموقراطية إجمالا. باختصار الإعلام في صيغته المطورة «منسون» تماما، والرجال بحاجة إلى كوكب آخر يبدأون فيه إعلاما مختلفا يحترم عقولهم ولا يستسخف باهتماماتهم أو يحاول الحجر عليها باسم المرأة وحقوقها......! binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة