«إذا كان قرار الرحيل يحتاج إلى جسارة فإن قرار البقاء يحتاج إلى جسارة أكبر».. قرأت تلك العبارة في إحدى الروايات، وتذكرتها الآن لأقول: هنا، قبل 17 سنة تقريبا، بدأت الرحلة.. كانت بدايتها مزيجا من الدهشة والنشوة والإثارة، لتتحول مع الوقت إلى مسؤولية وهم مستمر مع الحرف والناس. الحرف الذي تريده صادقا لكنه قد يستعصي عليك أو يصادر منك، والناس الذين تشعر أن آلامهم أكبر من قدرة حرفك على تجسيدها فتتألم أكثر منهم.. محاولات كتابية عابرة حولها أستاذ الصحافة الدكتور هاشم عبده هاشم إلى التزام أسبوعي ثم يومي.. لم أكن لأصدق أنني قادر على ذلك، ولكن هذا هو الدكتور هاشم الذي يملك أسلوبا في الإقناع تسقط أمامه كل حججك وأعذارك، لكنه في ذات الوقت يعرف جيدا ماذا يفعل.. ببساطة شديدة هكذا كانت الحكاية، حكاية علاقتي مع الكتابة الصحفية، وعلاقتي مع «عكاظ».. الكتابة المستمرة تجبرك على متابعة ومراقبة تحولات المجتمع وحراكه وتغيرات اهتماماته وأولوياته. تلزمك بضرورة التناغم مع تبدلات إيقاعه.. وذات لحظة، بعد سنوات في «عكاظ»، تولد لدي إحساس بالحاجة للحديث من مكان آخر.. لم أفكر ما إذا كنت مصيبا أم مخطئا، لم أفكر في المسألة من هذا الجانب، فقط كنت أشعر بضرورة القيام بهذه الخطوة. وهنا يأتي سبب ذكر العبارة التي استفتحت بها المقال، والتي لا أعتقد أنها تعبر بدقة عن حالي آنذاك.. هكذا كان انتقالي إلى صحيفة الوطن، التي لم يؤثر وجودي فيها على استمرار صلتي الحميمة ب «عكاظ» وأهلها.. ثلاث سنوات في الوطن أضافت لي تجربة جديدة ومثيرة، وأكسبتني رصيدا مهما، وبعد افتراقنا ظللت محتفظا بعلاقة ود كبير مع كثير فيها.. وجاءت مرحلة صحيفة المدينة على مدى العامين الماضيين لتكون محطة جميلة وممتعة. الأمانة تلزمني بالاعتراف أنني لقيت من كل الزملاء فيها تعاملا راقيا في كل جانب، وتوطدت بيننا علاقة زمالة وصداقة أعتز بها وسأظل حريصا على استمرارها، وأتمنى أن يكونوا كذلك.. لماذا كان ضروريا قول ما سبق؟؟.. لأنني أريد أن أستبق أي تفسيرات خاطئة لعودتي إلى «عكاظ»، بحسن نية أو بدونها. أريد أن أقطع الطريق على الاجتهادات المجانية التي قد يتبرع بها بعض عشاق إفساد العلاقات.. لقد كان قرار العودة خيارا ذاتيا اتخذته دون وجود أي مشكلة أو خلاف مع الزملاء في صحيفة المدينة، تم بود ولطف ومحبة. أنا لا أستوعب لماذا يجب أن يكون دائما سبب انتقال الكاتب من صحيفة لأخرى حدوث مشكلة؟؟. لماذا يجزم الكثير أنه لا يمكن أن يحدث انتقال سلمي وودي؟؟.. متى يمكن فهم حق الكاتب في اتخاذ ما يراه مناسبا له في وقت ما دون أن يعني ذلك تقليلا من شأن صحيفة أو وجود خلاف معها ؟؟ بل متى يأتي وقت يمكن للكاتب أن يكتب في أكثر من موقع دون حساسية ؟؟.. لن أكون صادقا إذا نفيت أن ل «عكاظ» مكانة خاصة في نفسي لأسباب منطقية وموضوعية، ولكني في ذات الوقت صادق حين أقول أنني أقدر وأحترم كل صحيفة كتبت فيها أو ربما أكتب فيها مستقبلا.. هذه هي الحكاية التي لا تحتمل التأويلات.. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز259 مسافة ثم الرسالة