في اليوم الذي تم فيه نشر مشروع نظام الحماية من الإيذاء، الذي أعدته مؤسسة الملك خالد الخيرية ونوقشت في هيئة الخبراء مع ممثلي جهات عدة حكومية؛ منها وزارة العدل، وزارة العمل، الأمين العام، الشؤون الاجتماعية، وهيئة حقوق الإنسان- كما أوضحت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمان الأسري في الحرس الوطني الدكتورة مها المنيف (الوطن 1/11/2009م)، وفي العدد نفسه من الصحيفة ينشر خبر مثير للدهشة حول الحكم القضائي لقاتل زوجته بالساطور بعنوان «5 سنوات.. لا تكفي»، ومفاد الخبر أن المحكمة العامة في منطقة نجران ضاعفت الحكم على حارس مدرسة بنات قتل زوجته بالساطور بالسجن لمدة 15 سنة بعد أن حكمت مسبقا بسجنه خمس سنوات. في مشروع الحماية من العنف الأسري، يُعرّف الإيذاء على أنه كل شكل من أشكال الاستغلال أو إساءة المعاملة البدنية أو النفسية أو الجنسية أو التهديدية الذي يرتكبه شخص تجاه شخص آخر بما له عليه من ولاية أو سلطة أو مسؤولية أو سبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصية أو تبعية معيشية، ويدخل في إساءة المعاملة؛ امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته أو ممن يترتب عليه -شرعا أو نظاما- توفير تلك الحاجات لهم. لاحظوا هنا أن مجرد التهديد بإساءة المعاملة من قبل الولي أو القريب يشكل إيذاء يجب العمل على الحماية منه، وأن مجرد التقصير في الوفاء بالالتزامات والواجبات تجاه أفراد الأسرة يعتبر إيذاء لها يعمل مشروع الحماية على إنقاذ المتآذين منه، وفي الجانب الآخر، عملية قتل شنيعة وبساطور لزوجة وأم يتم الحكم فيها 5 سنوات، ولأن المدعي العام لم يبدِ قناعته بهذا الحكم ضاعفت المحكمة الحكم إلى 15 سنة بعد يومين فقط من إصدار الحكم الأول. المحكمة العامة في نجران لم تحكم بقتل القاتل، والحجة أن الجاني له ابنة من المجني عليها؛ بناء على قاعدة فقهية تقول «إن الابن لا يكون سببا في الحكم على والده بالقتل»، هكذا بكل بساطة يتحول هذا الجاني إلى أب، رغم أنه قتل الأم أمام ابنتها وهي في سن ستة أشهر وبساطور ومن دون أسباب تذكر، وقام بإقفال الباب عليها وتركها ملطخة بدمائها لتصارع الموت، بعد كل ذلك يتحول هنا إلى «أب» لتلك الابنة. ترى لو كان الأمر معكوسا هنا، وهي من قامت بقتل زوجها، هل ستحاسب بالطريقة نفسها؟ وهل سيتذكر القضاء أنها (أم)؟ وبالتالي لا يجب أن تكون الابنة سببا في قتل والدتها. الوكيل الشرعي لورثة الزوجة المقتولة ينفي تماما حصول أي صلح قبلي، وأن يكون هناك من تنازل شرعا أو عفا عن المجرم، ويطالب بقتله بعد أن اعترف بكل ما نسب إليه وصدق اعترافه شرعا، والمحكمة «تراعي» أن الابنة التي بلغت الآن أربع سنوات ونصف السنة، لا تكون سببا في قتل والدها وهي من شاهدت، وهي في أوائل سن طفولتها، عملية القتل لأمها التي حرمت منها، ترى هل يستطيع أن يكون (أبا) بهذه المواصفات، إذا كان مجرد التهديد بإساءة المعاملة يعتبر إيذاء وجرحا للطفولة البريئة، فماذا نسمي إذن عملية القتل هذه؟ أمر آخر يثير الاستغراب، هو هذا الحكم الذي انتقل فجأة وفي غضون يومين من خمس سنوات إلى 15 سنة؛ ما الأسس الشرعية والقانونية التي اعتمدت لتتم هذه الطفرة؟ هل هناك أمور تجري تحت الطاولة هي التي أدت إلى نتائج من هذا النوع؟.. كلها أسئلة يثيرها واقع الأحداث. ويبقى من الأهمية بمكان أن يتعرف القضاة مثل غيرهم على مفهوم الإيذاء والعنف الأسري وأثره وأضراره على الأسرة والمجتمع، وأن يضعوا نصب أعينهم أن تقدم وإصلاح مجتمعنا مرهون بالحفاظ على الأسرة وأن زمن العنف والضرب بحجة الولاية ولى، وأن بلادنا سائرة باتجاه حماية الأسرة -زوجة كانت أم ابنة أم طفلا- من الاعتداءات والإيذاء الذي لا يخلف، وبالذات في عصرنا الراهن، إلا الفشل للعنف وللمجتمع ولمسيرة التنمية والإصلاح. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة