الثورة المعمارية التي قادها البنك العقاري بقروضه الميسرة للمواطنين في العام 1975م، أخرجت سكان المدن والقرى من البيوت الشعبية والطين إلى المنازل الأسمنتية المسلحة. في تلك الأيام، كانت صحراء نفود الشقيقة «غربي عنيزة»، تمتلئ بأهلها من البدو الرحل الذين يسكنون الخيام وبيوت الشعر، ولكن هؤلاء أيضا طالتهم طفرة المعمار وحرفتهم باتجاه المدن وبيوتها الحديثة. تقلص أعداد البدو شيئا فشيئا حتى اختفوا تماما من المكان، وظل محماس بن عسير المطيري البدوي الوحيد الذي ما زال يضرب أطناب خيمته في أرض الشقيقة حتى اليوم. الصدفة وحدها قادتنا إلى مضرب ابن عسير (مجموعة من بيوت الشعر والخيام). ولأننا نعرف البدو وكرمهم، توجهنا إليه دون أدنى تفكير، فاستقبلنا بحفاوة بالغة وترحيب. سألناه عن سكان الشقيقة الأصليين من البدو، وماذا حل بهم، فاكتفى بالقول، «الزمن تغير والسكان رحلوا صوب المدن وبقي المكان لم يتغير». يحكي ابن عسير قصته مع الصحراء، فيقول إنه يسكن فيها منذ ولادته حتى اليوم، ولا يفكر في الانتقال إلى المدينة. يعيش مع أبنائه ويعتز بكونه مازال يسكن في النفود كما كان والده وأجداده من قبل، ويتمنى أن يحافظ أبناؤه على هذه الحياة. ورغم أنه تلقى دعوة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبد العزيز لكي يسكن في أي مدينة يختارها بحسب قوله على أن يكفل الأمير له السكن، اعتذر ابن عسير من الأمير وشكر له كرمه، وقال له «أنا أعشق الصحراء ولست قادرا على السكن في المدينة». ويتحدث البدوي الأخير عن برنامجه اليومي فيقول، إنه يستيقظ قبيل الفجر، يؤدي الصلاة ويشعل النار ويجهز القهوة والإفطار، قبل أن ينطلق إلى رعي إبله وغنمه، يقضي الوقت معها حتى قبيل الظهر، يعود بعدها إلى البيت. وفي الظهر، يجلس ابن عسير مع أبنائه في بيت الشعر، لاستقبال الضيوف والعابرين، ثم يعود مجددا إلى أغنامه. وفي المغرب يحين وقت الشبه، وهو تقليد بدوي متوارث يمارس مساء، ويعني إشعال النار واستقبال الضيوف وتناول القهوة حتى موعد العشاء، وأحيانا تتواصل جلسة السمر ويتخللها سرد الحكايات الشفهية والقصائد. ورغم بعد ابن عسير عن الكثير من ملذات الحياة واحتياجاتها الأصلية، إلا أنه يعتبر نفسه محظوظا جدا، «فأنا مازالت البدوي الوحيد في نفود الشقيقة».