توقع ويليام بالكي في جريدة «وول ستريت جورنال» يوم 26 نوفمبر 1998 أن التطور في تقنيات الإعلام والاتصال، الذي بدأ فى أيامه، سيصل إلى حدوده القصوى ويسيطر تماما على كل شيء في سنة 2008، وأن القيمة المادية للمكان ستفقد قيمتها، ولن يكون للجغرافيا أي وزن يذكر، وفكرة المكان في حد ذاتها مهمة وأساسية وبالذات في حالة الصحافة المحلية، وهو ما يعني أنها ربما واجهت مصيرا مشابها، وحتى لا يقلق «الورقيون» فالحكم ليس مؤكدا وما زال مفتوحا للأخذ والرد، ولكن المؤكد ما جاء في تقرير الهيئة العالمية للصحف (2008) أو ما يعرف ب«وورلد ديجتال ميديا تريندز ريبورت»، والتقرير ذكر أن مقروئية الصحافة الإلكترونية (المرخصة والجماهيرية) زادت بنسبة الضعف في الفترة ما بين عامي 2005 و2007، وأنه ما بين عامي 2006 و 2007 ارتفع عدد مواقع الصحافة الإلكترونية بمعدل ثلاثة عشر في المائة، في مائتين واثنتين وثلاثين دولة شملها التقرير، أو بلغة الحساب البسيط أربعة آلاف وخمسمائة موقع للإعلام المطبوع في نسخته الرقمية، ولا بد من الإشارة إلى أن أرقام الصحافيين تراجعت في الوقت الحالي، ومهامهم أصبحت مشتتة بين إنتاج مواد صحافية للجريدة الورقية وأخرى لموقعها الإلكتروني. ثم من باب التوضيح، ومنعا لاختلاط الحابل بالنابل، أقول إن الممارسة الأخيرة ما زالت مفقودة عربيا، فالجريدة في العالم العربي، تنشر بكامل تفاصيلها على الإنترنت وبدون أية اختلافات تذكر، أو بأقل تقدير امتيازات يمكن أن يتحقق معها توزيع أفضل للورق أو إقبال أكثر على الموقع الإلكتروني، وبالعودة إلى المشهد الغربي فالموازنات المتواضعة والجهود المشتتة انعكست على جودة المنشور، وأفقدت المادة الصحافية جزءا كبيرا من ملامحها القديمة، واهتمامها المعروف بتفاصيل الأخبار، وبالتالي صار الأعلام المطبوع بعيدا عن الشارع وهموم الناس اليومية، ولم تعد الجغرافيا وهوية الجمهور عوامل حاسمة في حسابات الأرباح والخسائر. الدور الذي لعبته وتلعبه الصحافة المحلية المطبوعة في المجتمعات واضح وموثق في الأدبيات الغربية، والتوثيق بدأ من عشرينات القرن العشرين، وقد مارست الصحافة الغربية طوال أربعمائة سنة مضت، وظيفة الناقل الحصري لكل ما يجري في مجتمعاتها وفي غير مجتمعاتها، ولم تسمح بحضور رأي المجتمع نفسه فيما تنقل، وقال جاي رسن في سنة 1993 منتقدا هذا الاحتكار، إن المتوقع من الصحافة تشجيع المجتمع المدني على المشاركة، وتحريك الحوار بين الأطياف المختلفة فيه، وبطريقة تخدم وتحترم المصلحة العامة للناس ولا تضرها أو تتقاطع معها سلبيا، وذكر بأن استقلال أو تبعية الصحافة لا تعني أبدا انعزالها أو استسلامها التام للسلطة أو المعلن، وفرض إرادتها على الجمهور بأسلوب «ديكتاتوري» و«أبوي». الكلام المذكور خطير ويحتاج إلى مراجعة وتأمل، والدليل ما قام به بوب فرانكلن (2004) على الانتخابات العامة البريطانية في سنة 2001، فقد وجد «فرانكلن» بعد دراسته لألف ومائتين وخمسين مادة صحافية تناولت هذه الانتخابات، أن خمسة وعشرين في المائة فقط من تعليقات ورسائل القراء المنشورة تفاعلت معها، رغم أن سبعين في المائة منها ركزت على أمور محلية خالصة، والسابق يظهر أن ما تراه الصحافة مهما قد لا يراه الجمهور كذلك، ويكشف أيضا أن العلاقة ليست واضحة أو أحيانا غير موجودة بين الطرفين، وقد يشير، في رأيي إلى أن «السلطة الرابعة» تحولت إلى «سلطة بقدونس» أو «طبخة باردة» أو «معلبات منتهية الصلاحية»، وذكر كيث ستام (1985) بأن ارتباط الناس بمجتمعاتهم يقاس بدرجة إقبالهم على قراءة الصحافة المحلية المطبوعة، أو اهتمامهم بما ينشر فيها من أخبار ومواد صحافية. إضافة لما سبق، قرأت أن ارتياح أو تذمر الأشخاص من الأماكن التي يقيمون فيها أو يحملون جنسياتها، يساعد إلى حد ما في تحديد درجة انتمائهم إليها أو اغترابهم عنها، أو بعبارة أوضح مقدار ولائهم للمكان بكل ما فيه ومن فيه، وأن الهروب إلى مواقع الإنترنت، المستقلة أو شبه المستقلة، والانشغال بها، يحدث، غالبا، عندما يفقد الشخص إحساسه بالمكان الذي يعيش فيه، وهو يحاول بهذا التصرف إيجاد واقع افتراضي بديل لواقع آخر يرفضه أو يعترض عليه، والعجيب أن بعض المهتمين بالمسألة يعتقدون بأن الإقبال على الموضوعات الخاصة بدول معينة في مواقع الإنترنت، قد يعطي مؤشرا قويا على ارتباط الناس الجغرافي والعاطفي بهذه الدول وليس العكس، وأن من يفتح الموضوع أولا للمناقشة الإلكترونية، يتمتع بحس ومسؤولية وطنية عالية مقارنة بمن يقرأ نفس الموضوع أو يعلق عليه، وما ذكر لا يشمل بطبيعة الحال من يكتب موضوعا عن دولة وهو من دولة ثانية، أو من له مطامح ومصالح سياسية ضيقة، أو من يعمل لحساب دول لها علاقات متأزمة مع الدولة موضوع المادة المنشورة على الإنترنت. ما أردت قوله إن المواقع الإلكترونية للصحافة المحلية مفيدة جدا في الإبقاء على ارتباط الإنسان بالمكان الذي يمثل هويته وتاريخه وثقافته، وإنها تستطيع استثمار هذا التواجد في الوقوف إلى جانبه وإيصال صوته، وإلا فإنه سيهجرها ويبحث عن متنفسات رقمية بديلة تستغل إحباطاته وتسخرها لخدمة أهدافها. binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة