منذ الستينيات بدأت إرهاصات الفنون المبكرة بشكلها الفطري في بلادنا، وحينها سبقنا كثيرا من بلاد الخليج، لكن الفنون المباشرة (مسرح، سينما، وموسيقى) تعثرت بأمور يصعب تعدادها، بعضها اجتهادي مذهبي، وبعضها مالي، أو رأي رقابي، حتى صنفت الفنون إداريا في آخر قائمة الثقافة، فلم تجد الرعاية الكافية، وصارت أقل اهتمامات المؤسسة الثقافية، ولم تجار النمو الإعلامي السعودي فأضعفته، وأضعفها. مرة أخرى أقول إن العقول الإدارية «الحسابة» بالعدد تخفق لو حاولت قياس أثر الفنون المباشرة (مسرح، سينما، وموسيقى)، فهي تقاس بعرض مساحة الأثر، وغرس القيم التفاعلية بين الناس، بحيث تصل لأناس لم يروها بالمثال القيمي، ومن هنا فالفنون المباشرة لا تقاس بمقاييس الأداء الحسابي لعدد المشاهدة، وهو عادة الإداري عند اتخاذ قرار التمويل لتقدير ميزانيات الفنون الأدائية، فهذه النوعية من الفنون تطورت تقنية إنتاجها كثيرا لتصبح مكلفة جدا في شقيها الميكانيكي، والبشري، وفي نظر التقييم المالي والإداري فإن التكلفة تفوق التصور المقول قياسا لعدد المتلقين المباشرين، مع استثناء العرض السينمائي الذي هو استثمار جماهيري طويل المدى لطرح قيم معينة يراد لها أن ترسخ في المجتمع. ماهية هذا النوع من الفنون إنها تقوم بدور عاكس القيم الجيدة، والرديئة، بمعنى الجميل، والقبيح أمام المتلقي المشارك، ورفع مرآة القيم للتقييس عليها، وليس إملاءها كما يتصور البعض، فترقية الذوق بالمثال الجمالي، (جميل، أو قبيح) أقدر على الأثر من الخطب في الأخلاق الحميدة، وكما قلت في مقال سابق إن قيم الجمال قيم ذات موجات منداحة خارج نطاق المتفرج بذاته حيث يبلغ أثرها على غيره. وكما بدأت فموضوع اليوم هو في صعوبة تكلفة العرض الفني الجماهيري المباشر (مسرح سينما، وموسيقى حية) من واقع عدم فهم أثره الطويل في المتلقي، فالتكاليف العالية لطرح الثقافة البصرية المباشرة تستحق ما يبذل لها من قيمة لأنها من الوسائل الفاعلة في طرح القيم الجمالية، وتعميمها، وتفعيل الحوار حولها، وصد الفكر المنحرف، والتعصب، وما يحدث من استهواء غير عاقل لبعض فئات الشباب وخداعهم، فهي محصن قوي لأنها تعود الفرد على حوار مع نفسه يقرر بعده الجميل من القبيح، والمنفعة من المضرة.. كل هذا يساير ما أشرت إليه في مقالات كثيرة من أننا مطالبون بتفعيل أداة الفنون المباشرة بشكلها الجمالي، وبتركيز حوار الذات فيما تعكسه مرآتها الصادقة للنفس. أحسب أنه يكفي ما عانته الفنون الرؤية التفاعلية من إهمال لربع قرن من الزمان، وحان الوقت لتعويض الفاقد بدعمها بما نستطيع لتقف على قدميها، ولكي تنمي عقول شابة للعمل الفني السعودي الذي يبنى على معيار جودة القيم الجمالية. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 240 مسافة ثم الرسالة