كنت مصاحبا لأحد المرضى المراجعين لمستشفى الملك فهد في جدة، ومن يقف في تلك الصالة الخاصة بالعيادات سيظن أنه في مشهد مصغر ليوم الحشر، أعداد غفيرة لو تم تقسيمهم على أطباء المستشفى فسيكون نصيب كل طبيب ثلاثين أو أربعين مريضا بمعنى أن الطبيب ليس بمقدوره سوى النظر لهذا المريض أو تقليب ملفه وترحيل مرضه لثلاثة أشهر مقبلة. أما بعض الموظفين الإداريين المسخرين لتقبل هذه الأعداد الكبيرة، فقد وصل مللهم لدرجة كبيرة أعطتهم الحصانة من شكوى المرضى المتعددة والمختلفة، وأي من هؤلاء الموظفين (وصلت روحه لخشمه) وهو مستعد للشجار معك إن (طولتها وهي قصيرة) وإن بقي له من حلم فسيقول لك: روح اشتك. وبمناسبة الشكوى أو إبداء المقترحات فهناك صناديق للشكوى والمقترحات موزعة على الزوايا وقد أراد أحد المرضى تمرير شكوى عبر تلك الصناديق فلم يتمكن. أتدرون لماذا؟ ببساطة، صناديق الشكوى والمقترحات مليئة لدرجة لا تستطيع إدخال ورقة واحدة لتلك الصناديق حتى ولو كان (بالحشر).. مما يعني أن تلك الصناديق تستقبل الشكوى والمقترحات هي لوحدها من غير أن تقوم إدارة المستشفى بتفريغها حتى ولو شكليا وحفظ ماء الوجه بأن ما تم (تسقيطه) في تلك الصنادق وصل إلى إدارة المستشفى. وصناديق المقتراحات والشكاوى في كثير من الدوائر الحكومية أو الخاصة هي صناديق شكلية لإعطاء إيحاء أن إدارة هذه المنشأة أو تلك على اهتمام بالغ بمقترحات وشكاوى مراجعيها وبالتالي وضعت صناديق لتقبل كل ما يصلها من شكوى لتلافيها في المستقبل..هذه هي الصورة الشكلية والإيحاء الذي يتبادر إلى ذهنك مع رؤية تلك الصناديق بينما واقع الحال أن الصناديق هي الوحيدة التي تستقبل شكواك وتتمنى أن تشكو معك من امتلائها وتخمة جوفها بكل المصايب التي تحملها. ومن صناديق المقترحات تتكشف وضع تلك المنشآت. مفردات كثيرة تخرج بها من رؤيتك لصناديق المقترحات المهملة والتي تصرخ بأن الحال: لايسر حبيبا ولا عدوا. أما إذا أردت تجاوز تلك الصناديق وإيصال شكواك للإدارة مباشرة فبينك وبينه خرط القتاد. [email protected]