حضرت ذات يوم، واليوم الذي أعنيه كان قبل نحو أربعين سنة، محاضرة في إحدى المدارس في حي أجياد العريق في مكةالمكرمة، ألقاها الشيخ علي الطنطاوي وحضرها طلاب المدرسة، وأولياء أمورهم وبعض المسؤولين في إدارة التعليم، وكان وراء فناء المدرسة جبل يظهر من الفناء سفحه، وتعيش فيه بعض الكلاب الضالة التي كانت تزعج بعوائها السكان المجاورين، وقد تصبح مسعورة فتطارد من يمر عليها عندما تقعي في الأزقة، وما ان بدأ الشيخ الطنطاوي محاضرته حتى ارتفع صوت نباح الكلاب وغطى على صوت المحاضر ولفت النظر إلى ناحية الجبل، وهنا حضرت النكتة وروح الدعابة الشيخ الطنطاوي الذي كان صاحب روح مرحة ودعابة رفيعة المستوى، فما كان منه إلا أن توقف عن محاضرته وأنشد قائلا: يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه أبوابها حتى الكلاب إذا راته مقبلا هجمت عليه وكشرت أنيابها وهنا ضج المكان بالضحك استحسانا للوقفة الطريفة التي حلى بها المحاضر محاضرته قبل أن يستأنفها بعد أن قام عدد من معلمي المدرسة والنشامى، بمطاردة الكلاب النابحة وإبعادها عن سور المدرسة حتى يستطيع الشيخ الطنطاوي إكمال محاضرته القيمة. وأذكر أن النشاط الخطابي وتنظيم المحاضرات التي تناسب أعمار طلاب التعليم العام من الأمور التي كان التعليم يعنى بها، ولكن هذا النشاط لم يعد له وجود يذكر وإن حصل في بعض المدارس فإنه يؤتى بمحاضر لا يراعي في محاضرته أعمار ومدارك الطلاب المستمعين له فتصبح محاضرته ثقيلة وليست ذات فائدة لعدم قدرة معظم الطلاب على استيعاب مضامينها الفكرية لا سيما إذا سادها التجهم من قبل المحاضر وكأنه يخوض معركة حربية، حيث يظن بعض المحاضرين أن إضفاء أجواء من المرح على فقرات من محاضرته يفقده الهيبة ويجعل من يستمع إليه يتهمه بالخفة، فلا بد إذن من «التكشير» والتقطيب الذي يقابله نعاس وضجر المستمعين.. ولله في خلقه شؤون!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة