المريض أيا كان مرضه يسابق الزمن من أجل الحصول على العلاج، وتكون الثانية في معاناته دهرا، ويخشى أن يتحول مرضه مهما كان بسيطا إلى مرض فتاك.. ويعتبر لحظات الانتظار قسوة غير مبررة.. فترة الانتظار مهما كانت حتى ولو لحظات يعالج فيها الطبيب مريضا آخر.. فما البال حينما ينتظر هذا المريض من أجل إجراءات لا يفترض أن يكون هذا وقتها، وتكون غالبا إجراءات روتينية أو معلوماتية يمكن الحصول عليها لاحقا. المشكلة تفاقمت إلى أبعد من ذلك مع بعض شركات التأمين الطبي .. هذه المعاناة التي قد تمتد إلى ساعات طويلة جعلت الكثير من المرضى يزهدون في موافقة تلك الشركات ويفضلون العلاج على حسابهم لصعوبة معاناتهم التي قد تكون مقصودة من جانب الشركات التي تأمل أن يتخذ المرضى مسار الزهد نفسه في خدماتها وموافقتها على العلاج.. ولكن ما ذنب الذين استقطعت من مرتباتهم مبالغ مدفوعة إلى شركات التأمين، ثم يجدون اللامبالاة في أحرج الأوقات وأصعبها. لماذا الاتصال؟ أكرم سعيد السائح (51 عاما) يقول: في الأسبوع الماضي كنت في وضع صحي لا أحسد عليه لكن تعافيت وأصبحت في حال أفضل.. ولكن لم يؤلمني المرض بقدر تلك الإجراءات القاتلة التي عانيت فيها حينما لجأت إلى المستشفى المحدد سلفا من قبل الشركة للتعامل معه، أولا المستشفى خصص مكانا للتعامل مع المؤمن عليهم طبيا (قطاع الشركات)، في هذا المكان يوجد موظف واحد يتولى الحصول على المعلومات من المريض، ثم يسجل كل ذلك على الحاسوب، ثم يطلب من المريض الانتظار ريثما يتم الاتصال بشركة التأمين لأخذ الموافقة على علاج المريض أو لا.. ولك أن تتخيل فترة الانتظار التي تجاوزت أكثر من ست ساعات من الساعة الرابعة عصرا وحتى الساعة الثانية عشرة من صباح اليوم التالي وأنا في انتظار رد الشركة، وكلما ذهبت للموظف يؤكد لي أن الشركة لم ترد حتى الآن، كل هذا الوقت وشركة التأمين لا تحسب حسابا لأنني مريض وبحاجة ماسة للدقيقة الواحدة فما بالك بساعات طويلة.. من حق المستشفى أن يضمن حقوقه وأنا لا ألومه، وإنما أتعجب من شركات التأمين التي تلزم المستشفى بعدم معالجة المريض في حالات كثيرة ما لم يأخذ موافقة مسبقة منها. ويستطرد السائح: تتصورون كم عانيت وخصوصا أنني أعاني من ارتفاع حاد في درجة الحرارة، لذلك توقعت أن تكون هناك موافقة مسبقة من قبل شركات التأمين للمستشفى للتعامل مع مثل هذه الحالات، ويكون لدى إدارة المستشفى الموافقة على معالجة أي مريض دون الحاجة للاتصالات المطولة. لهذا أتمنى أن يتم البحث عن حل لهذه المعضلة التي تختلقها بعض شركات التأمين الطبي مع المستشفيات. وهل يحتمل مريض الربو؟ الحادي أبو عمر (34 عاما) لم يبتعد كثيرا عن سابقه فيقول: أصبت بحالة ربو حادة وكان الأمر يتطلب سرعة عرضي على الطبيب وإعطائي على الأقل «الأوكسجين» مؤقتا، لكن الذي حدث هو رفض تقديم الخدمة قبل الحصول على موافقة شركة التأمين التي أتبع لها! ورغم ظروفي الصحية اضطررت للانتظار ساعتين ونصف حتى جاءت الموافقة التي تشترط عدم تنويمي وتقديم العلاج فقط، ولكن لا بأس لم أكن احتاج لحسن حظي إلى التنويم، ولكن حالتي وأنا قابع في انتظار موافقة التأمين لم تكن تستدعي كل ذلك التأخير. عالجتها على حسابي مصعب سهيل الحربي (31 عاما) يسرد بشكل حانق على شركة التأمين التي سجل فيها من قبل القطاع الخاص الذي يعمل به فيقول: سقطت زوجتي على سراميك المنزل وحدث لها ارتطام عنيف في رأسها ونقلتها إلى المستشفى، وهي لا تستطيع الوقوف.. حينما دخلت كان أول شيء قمت به بعد إدخالها الطوارئ التوجه لجانب مشتركي التأمين الطبي، إلا أن موظفي الاستقبال طالبوني بالانتظار ريثما تصل موافقة شركة التأمين! الوقت يمضي وزوجتي تتمدد بصورة حزينة على مقعد هناك.. ساعة مرت وكأنها سنة بعدها أخرى والرد من قبل الشركة لم يأت، عندما وجدت أن الوقت يمر، قررت أن أعالجها بالدفع (كاش) على حسابي، وبالفعل تم علاجها وإجراء خياطة الجرح النازف في رأسها. حينما انتهيت اعتذرت لموظفي المستشفى وطلبت منهم تقدير وتفهم موقفي نظرا لحالة زوجتي التي كانت تستوجب السرعة في علاجها خشية من تفاقم وضعها الصحي، وكنت قد تطاولت كثيرا ولكن اعتذرت لموظفي الاستقبال، لأنني أدركت أن المسؤولين ليسوا هم سبب ذلك التأخير وإنما موظفو شركة التأمين، أو شركة التأمين التي لا تسمح بمعالجة أي مريض ما لم يبلغها المستشفى أولا، ثم الحصول على موافقتها على نوعية الخدمة العلاجية التي تقدم لهذا المريض أو ذاك. ويستطرد الحربي.. والسؤال الذي يطرح نفسه: ألم تفكر شركات التأمين مثلا في الوقت الذي تستغرقه عملية الاتصال تلك، وما مدى تأثيرها على الحالة الصحية للمريض؟ أليس هذا إجراء عقيم يفترض أن يبتكر مكانة طريقة أخرى؟ لماذا لا ترتبط شركات التأمين مع المستشفى بالإنترنت وتسمح لحاسوب المستشفى أو نظام المستشفى للحصول على المعلومات التي تحتاجها عن المريض مباشرة من حاسوب الشركة. الزهد في الموافقة ويحكي محمد القحطاني (28 عاما) الموقف الذي تعرض له زميله قائلا: لقد فضل أن يدفع تكاليف العلاج من جيبه الخاص لعدم تفهم المستشفى حالته المرضية، فقد تعرض لمرض من أعراضه ارتفاع درجة الحرارة، وألزمه ذلك الفراش فتم نقله إلى المستشفى وظل مثل الآخرين ينتظر رد شركة التأمين بالموافقة على علاجه، إلا أن صبره نفذ نتيجة للحالة الصحية التي كان يعاني منها، وخصوصا مع إحساسه بالبرد الشديد داخليا وخارجيا، فتقدم للعلاج على حسابه الخاص حيث تطلب وضعه ضرورة وضعه تحت الملاحظة الطبية لمدة 24 ساعة، بسبب تفاقم حالته الصحية نتيجة لتأخر مراجعته المستشفى. في حين ذكر عقاب الحارثي (35 عاما) أنه مشترك في التأمين الطبي، إلا أنه لم يضطر حتى هذه اللحظة لمعرفة كيفية التعامل معه فيما لو تعرض لوعكة، واكتفى بالقول: لم أجرب وأتمنى من الله آلا يضطرني إلى ذلك ويمدني بالصحة والعافية. بطاقة معلومات وكفى الدكتور شريف محمد صبحي (31 عاما) يطرح عدة نقاط جديرة بالالتفات إليها فيقول: المشكلة هي أن شركات التأمين تقسم المندرجين تحت مظلة التأمين لديها إلى مجموعات وتوزع هذه المجموعات على عدد من المستشفيات التي تتعامل معها، بحيث تكون هذه المجموعة من الموظفين أو العمال يتلقون العلاج في هذا المستشفى، وتلك المجموعة لدى المستشفى آخر وهكذا، هذا الوضع هو الذي يلزم المستشفى الاتصال بشركة التأمين من أجل معرفة إن كان هذا المريض موجه للعلاج في هذا المستشفى أم لا. وطبعا هذا يأخذ وقتا يعتمد على كثافة المرضى وسرعة الرد من شركة التأمين والتي بلا شك سوف تبحث في سجلاتها هي الأخرى، وكل هذا في غير صالح وضع المريض الذي يحتاج للوقت والسرعة في تشخيصه لا تأخيره.. مضيفا: ومن هنا دعني أقول «طالما أن المريض تم تحديد المستشفى له من قبل شركة التأمين، فلماذا لا تتم معالجته فور قدومه ومن ثم يخاطب المستشفى شركة التأمين فيما بعد، فالشركة مصيرها تدفع قيمة الكشف والتشخيص وسائر الخدمات الطبية التي تقدم للمريض، سواء كان ذلك في المستشفى الذي ذهب إليه المريض أو المستشفى الذي خصص له، ففي كل الأحوال شركة التأمين سوف تدفع التكاليف، إذن ما الداعي الذي يجعل الشركة تصر على منع المستشفى من تقديم أي خدمة طبية للمريض ما لم يتم التأكد من توجه المريض للمستشفى المخصص له مسبقا! ولأ أظن أن هناك مريضا لديه تأمين طبي ويخصص له مستشفى معين، فيذهب لمستشفى لا يغطيه تأمينه الطبي، إلا إذا أراد العلاج على حسابة الخاص، ولماذا لا يتم تزويد كل المشتركين في التأمين الطبي ببطاقات تحدد مستوى الخدمة التي تقدم للمريض والمستشفى الذي ترغب الشركة في ذهاب المريض إليه، أقصد توضع في تلك البطاقة كافة البيانات التي يحتاجها المستشفى، لكي تتعامل مع المريض بالسرعة المطلوبة دونما تحتاج إلى التوقف عن ذلك، ومطالبة المريض بالانتظار ريثما يصل الرد من شركة التأمين. في الواقع أن هذه البطاقات موجودة لكنها أكثر من 100 نوع تقريبا لدرجة أن كثرتها يتيح الفرصة لممارسة النصب. ويضيف الدكتور شريف صبحي لماذا لا تختصر كل تلك البطاقات في ثلاثة أنواع فقط وتقسم من ناحية مستوى الخدمة إلى تقسيمات تقترحها شركات التأمين (ذهبية برونزية....) إلى غير ذلك، المهم أن يتم حصرها وبصورة تعطي البيانات الأساسية التي تضمن حقوق المستشفى ولا تسلب حقوق شركات التأمين، ويكفي أن يبرز المريض تلك البطاقة لكي يسارع المستشفى بعلاجة ودونما تأخير. ويستطرد الدكتور شريف: كما أن هناك نقطة أخرى مهمة، وهي أن الشركات تفرض التأمين لكل فرد من أفراد الأسرة، ويفترض أن تأمين الأب يغطي أسرته بالكامل.