ها أنا في نيويورك من جديد.. ها أنا في المدينة ذات الشوارع المعبدة بالحجر العتيق التي تحمل ثقل الآلات ولكن لاتتحمل وطأة الكائنات.. تدهشك سطوة الأسمنت وأنت تتجول فيها ويبهتك وجوم الحجر.. نيويورك مدينة توفر لك كميات محترمة من أوكسيد دغدغة المشاعر وتعزف لك نشيجا من السعادة.. أنشودة جميلة وقصيدة ترتع في اللامتناهي تبيع لك الخبز الذي يتعايش مع الإعلان التجاري، الناس يسرعون في الشوارع جميعهم ذاهبون إلى مكان ما والحشد سحابة من دخان ورغم ذلك تجد من يسرق الوقت مرتخيا على كراسي الحدائق الشائخة اللون.. فنانون رسموا على الجدران طلاء متساقطا.. عمال يصلحون الطريق بآلاتهم الحمراء وتراب يرتفع من جوانب الشوارع.. سياجات الأبنية يتم تجديدها وعليها الإعلانات الكبيرة المتسخة، امرأة عجوز عكازها يقول صباح الخير، حفيدها يسير بجوارها يغرق في ضحكته.. صوت (بلوزي) جميل ينبعث من ساكسفون متسول عصري لايترك لك إلا أن تستسلم لعالم النزوات في أذنك، شحاتو نيويورك غير تقليديين، متسولو نيويورك لايمدون أيديهم وإنما يلعبون بفرشاتهم وألوانهم ليرسموك في دقائق على لوحة بديعة، تجد كذلك بين هؤلاء من يملك آلة موسيقية يجيد العزف عليها ويطلق ألحانه على المارة وقد ترك صندوق آلة عزفه الأسود مفتوحا ليضع فيه المارة نقودا أثناء عزفه.. ارتفعت الشمس في الأفق مثل شفرة ذهبية تنحت في حاشيتها ظل الجدران وتلتقط ما تحته الشوارع الصغيرة الضيقة التي تمتد بين الجدران العتيقة المبيضة تعلن موعد الظهيرة..تغريني العربات الجوالة في خطف سندوتش.. الغرباء والزائرون لمدينة نيويورك وبالأخص (لساحة التايمز) ينظرون إلى بائعي عربات الطعام الجوالة نظرة يمتزج فيها كل من الخوف والحذر والقلق والإعجاب وسؤال لايفتر لديهم كبكاء طفل أو كنميمة تسري عاوية في الآذان كيف يستطيع هؤلاء الباعة تقديم كل هذه الوجبات السريعة في تلك المساحة الصغيرة !! بينما يتعامل النيويوركيون مع هؤلاء الباعة غالبا بغير إنصاف ولهم عذرهم في ذلك فزجاجات الماء تباع أحيانا بأسعار مبالغ فيها كما أن سبل ووسائل النظافة ضعيفة ويثير سلوك الباعة الفظ والهجومي أعصاب أولئك الذين اعتادوا على مناداتهم بسيدي وسيدتي. كانت مفاجأتي الكبيرة هذه المرة أن أجد عربة جوالة فخمة في شارع (أوستريا) كتب صاحبها على طرفها العلوي (ملك الفلافل والشاورما) تقدمت إليه سألته عن صحته باعتباره سؤالا من لزوم الكلام العادي وعرفته بنفسي.. قال لي: أنا فارس زيدية وينادونني ب (فريدي) أمريكي عربي الأصل وأعمل ضمن مشروع بائعي العربات الفخمة وهذا المشروع الذي قفز بهذه العربات إلى هذا المستوى الفخم هو عبارة عن منظمة غير ربحية تدعم أكثر من عشرة آلاف بائع متجول في شوارع نيويورك بما في ذلك منتجاتهم والتي تتدرج من السجق إلى الدجاج المسحب والكباب والفلافل والشاورما. ولقد قامت هذ المنظمة بغربلة الأفكار من أجل الوصول إلى طريقة لجمع الأموال لتغذية برامج خيرية وتأمين العمل للعاطلين عن العمل في نيويورك وهم من يمنحون لنا هذه العربات بهذه المواصفات ويقومون بتدريبنا على طريقة التعامل والأداء وتحديد مناطق البيع بعد التفاهم مع بلدية نيويورك بل وتعدوا ذلك بأن أصبحت هناك مسابقات تقدم فيها الجوائز والتي تمنح لأرقى مطبخ جوال ويتم اختيار الفائزين عن طريق ترشيح العامة، وقد أقيم أول حفل في حديقة ساحة توميكنز وحصل صاحب أفضل عربة على عشرين ألف دولار كجائزة.. طلبت من (زيدية) الطبق الرئيسي لديه قدمه لي بمنتهى التهذيب والأناقة وابتسامة دافئة على فمه وكانت المناديل الورقية وأدوات الأكل البلاستيكية مقدمة بأسلوب راق وملفوفة بعناية تامة بشريط مطاطي مكتوب عليه (وجبة هنية) التجربة مميزة وفريدة من نوعها تخدم أكثر من هدف. تقديم طعام بطريقة راقية وجودة عالية بعيدا عن أجواء المطاعم الكلاسيكية ومكافحة البطالة وإضفاء جو مميز وترك ذكرى طيبة لدى الزائر لمدينة (نيويورك) ياترى مارأي الجمعيات الخيرية لدينا في هذه الفكرة!!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة