«اعتنوا بأبنائي وسددوا ديوني» هي آخر ما كتبه أستاذ الآثار والفنون الإسلامية في جامعة أم القرى الدكتور ناصر الحارثي في وصيته التي عثرت عليها الأجهزة الأمنية لحظة الكشف على جثته. وسادت موجة من الحزن والأسى في حرم جامعة أم القرى في مكةالمكرمة، وأدخل نبأ وفاة الدكتور الحارثي الصدمة إلى كل من عرفه، خاصة زملاءه في الحقل العلمي الذين أمضوا معه نحو 30 عاما من مسيرة عطاء علمي وبحث وتأليف. ووصف إمام وخطيب المسجد الحرام عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى الدكتور سعود الشريم، إنجازات الدكتور ناصر الحارثي بأنها ثرية، وخسارته كبيرة على البحث العلمي، مشيرا إلى عملهما سويا في الكلية. وقال ل «عكاظ» إن الدكتور الحارثي كان -رحمه الله- مثالا للأخلاق ويحظى بتقدير ومحبة زملائه، كما أن مؤلفاته كثيرة وأبحاثه المتواصلة تدل على قيمته، مؤكدا أنه كان مرشحا لرئاسة قسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية في الجامعة، بعد أن عرضت عليه الفكرة وموافقته عليها، غير أن القدر لم يشأ. وحول لحظة سماعه نبأ وفاة الدكتور الحارثي، قال الدكتور الشريم إنني صدمت إثر سماعي الخبر الذي نقله لي ضيف استقبلته في منزلي، مضيفا أن الدكتور ناصر كان يقدم لي نسخة من كل مؤلف ينجزه. ووزع قسم التاريخ والحضارة الإسلامية أمس آخر مؤلف للدكتور ناصر الحارثي بعنوان «الآثار الإسلامية في مكةالمكرمة»، الذي كان الفقيد قد وضعه في القسم خلال شهر رمضان المبارك، حيث عقد آخر اجتماع له مع زملاء الكلية، وظهرت عليه آثار الإرهاق والتعب. وأشار أحد زملائه إلى أن الحارثي رد على سؤال عن آثار التعب والإرهاق البادية على وجهه بأن مرض السكري وراء ذلك، فيما أكد أحد زملائه زاره في الخامس من شهر شوال مقدما واجب العزاء في وفاة والدته. وقال رئيس قسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية الدكتور عبد الله الشريف إن الدكتور الحارثي من الأشخاص المتفوقين في العمل والمبدعين، إذ قدم دراسات علمية كثيرة في مجاله، مشيرا إلى أنه لاحظ على الدكتور الحارثي خلال الفترة الماضية ضعفا في صحته. ووصف الدكتور الشريف، زميله الفقيد بأنه سهل الطباع ومشارك فعال في المناشط واللجان داخل الجامعة وخارجها، فقد كان همه الأساسي البحث العلمي، وكان آخر ظهور إعلامي له في برنامج عرض على القناة الإخبارية خلال شهر رمضان بعنوان «دولة الرسول». و أكد رئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية الدكتور طلال البركاتي أن الفقيد باشر عمله في التاسع عشر من شهر رمضان الماضي. أما عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتور سليمان آل كمال فأكد أن الفقيد من أقرب زملائه، «حيث زارني خامس أيام العيد لتقديم واجب العزاء وظهرت عليه علامات التعب والإعياء، مبينا أن الحارثي يزور بشكل مستمر منطقة بالحارث في الطائف (مسقط رأسه)، حيث بنى فيها مسجدا. وأكد عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ والحضارة الإسلامية الدكتور خالد الغيث أن علاقة الفقيد مع جميع زملائه أكثر من رائعة، فهو شخص طيب القلب، متفائل ومتعاون. وتحدث عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتور حسن علي الشريف عن علاقة متينة تربطه مع الفقيد الحارثي تمتد لأكثر من ربع قرن، ولم يلاحظ فيها عليه سوى أنه رجل مستقيم ومحافظ على صلاته ومعتدل في تعاملاته. ويروي عميد شؤون المكتبات في جامعة أم القرى الدكتور عدنان الحارثي جانبا من حياة الفقيد بنبرة حزن مؤثرة فقال: تعرفت إليه في إحدى ثانويات الطائف، لتستمر تلك المعرفة حتى آخر يوم في حياته، حيث قررنا مواصلة المرحلة الجامعية معا واخترنا جامعة أم القرى قسم الحضارة والنظم وأنهينا مرحلة البكالوريوس وواصلنا مرحلتي الماجستير والدكتوراه معا. وكان الفقيد مرجعا مهما لنا في الزخرفة والفنون الإسلامية، بل هو علم من أعلام هذا المجال وكان آخر منتج بحثي وعلمي له هو «الآثار الإسلامية في مكةالمكرمة» الذي صدر قبل أشهر قليلة وهو مرجع مهم في تاريخ مكةالمكرمة، الى جانب 28 إصدارا بحثيا موثقا ضخها الدكتور الحارثي في مكتبة الجامعة.