من الغزل النادر في الشعر العربي التغني بجمال حديث الحبيبة، والاستمتاع بطيبه، والسكر من لذته، فهي (من الخفرات البيض ود جليسها.. إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها)، (كأن حديثها ثمر الجنان)، (وكأن تحت لسانها.. هاروت ينفث فيه سحرا). (وحديثهما السحر الحلال لو أنه.. لم يجن قتل المسلم المتحرز، إن طال لم يملل، وإن هي أوجزت، ود المحدث أنها لم توجز). وهناك غير هذا ما يصف لذة الاستمتاع إلى حديث الحبيبة. لوجه الحق، فإنه وإن كان لحديث الحبيبة لذة فائقة، إلا أن لذة الحديث لا تقتصر على حديث الحبيبة وحده، وإنما هي في الواقع لذة عامة يحدثها الحديث في بعض الأحيان، وإن كانت بطبيعة الحال لا تبلغ درجة لذة الحديث مع الحبيبة. وإذا كان الاستمتاع بحديث الحبيبة يتكرر دائما كلما تحدثت، فإن الاستمتاع بالحديث مع غيرها ليس كذلك، هو عرضة لأن يكون ممتعا حينا، وثقيلا منفرا حينا آخر. متى يكون الحديث ممتعا يلذ السامع ومتى لا يكون؟ وما الذي يجعل يجعل حديث بعض الناس عذبا سائغا لا يكاد يمل، وحديث بعضهم الآخر ثقيلا لا يطاق سماعه ولو لبضع دقائق؟ هناك سر غامض يضفي صبغته على الحديث وصاحبه، فترتاح النفس لحديث شخص ويلذها الاستماع إليه، وتنفر من آخر وتضيق به ولو لوقت قصير؟ إنه سر يصعب معرفة كنهه، ويعسر تعليله أهو التهذيب في أسلوب الحديث وحسن اختيار الألفاظ؟ هناك أشخاص مهذبون جدا، حديثهم بارد ثقيل أهو الظرف والملاحة وخفة الدم؟ هناك أشخاص مزاحون يملأون حديثهم بالنكت والتعليقات المضحكة، إلا أن حديثهم يظل يفتقر إلى الجاذبية. أهو التفاؤل والاستبشار والبعد عن الأنين والشكوى والضجر؟ هناك من لا يعرف التشاؤم طريقا إلى حديثهم، فهم في رضا مستمر عن كل ما حولهم ومن حولهم، ومع ذلك لم ينجوا من الوقوع في زمرة الثقلاء. ما السر؟ ما سر جاذبية الحديث؟ تقول بعض الكتب التي تتحدث عن أساليب التواصل الجيد مع الغير، إن النجاح في ذلك يتركز على قدرة الشخص على إقامة التوازن في المشاعر بينه وبين الآخر، فالبعض حين يتحدث يكون حديثه منطلقا من خلال مشاعره هو، فيتحدث عن ما يرضيه ويسره، وما يؤلمه ويضيق به، أو ما يفكر فيه ويشغل ذهنه وما يؤمله ويطمح إليه، وهكذا، وينسى تماما مشاعر الآخر التي غالبا تكون بعيدة عن ذلك كله، فما يهم (أ) ليس بالضرورة أنه يهم (ب) وما يسر (أ) لا يعني أنه أيضا يسر (ب)، وحين ينفرد المتحدث بالحديث من خلال مشاعره هو فقط لا يكون هناك توازن بين المتحدثين وبالتالي يكون الحديث ثقيلا على أحدهما. المتحدث الذكي هو الذي يستطيع أن يحافظ على خط توازن المشاعر بينه وبين محدثه، فيبقي عليه مستقرا كي ينساب الحديث لذيذا ممتعا، وربما لهذا السبب يكون حديث العشاق غالبا شائقا، لأن المشاعر بينهما مشتركة، فيمضي بهما ميزان المشاعر معتدلا، فما يهم أحدهما يهم الآخر، وما يطيب لأي منهما يطيب للثاني. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة