تبادلنا أطراف الأحاديث مع جماعة من الأصدقاء والمعارف في إحدى المناسبات الاجتماعية فدار حديث ضاف عن بعض الذين أنعم عليهم بالصحة والستر والخير، ولكنهم يظلون يرددون أمام من يعرفون ومن لا يعرفون أن صحتهم تعبانة وظروفهم المادية «خربانة» وأن الواحد منهم يواجه الحياة وفق قاعدة «يا يدي فكي حلقي!» وأنهم يقولون ذلك خوفا من الحسد، حتى أنهم يتجنبون الأكل أمام الناس والمشاركة في الطعام معهم خشية أن يصابوا بعين فإذا خلو إلى أنفسهم «طفح» الواحد منهم مقادير تكفي أسرة كاملة، وقد مر علي شخصيا فئات من هذه النوعية أو سمعت عنهم حتى أن أحدهم قابلني ذات يوم في باريس وخشي أن أحسده على وجوده فيها فجلس معي على الجادة وأخذ لمدة ساعة يقص علي ما يعانيه وأبناؤه وأمه وزوجه وخاله وعمه وأبناء الجيران، من أمراض وأعراض وأغراض وتدهور وانخفاض، فعجبت من أمره ومن ظنونه وشكوكه وسوء نواياه وأشفقت عليه واعتبرته مريضا حقا بمرض يسمى الوسواس القهري، وقمت من الجادة بعد أن مللت ما سمعته منه وتذكرت بعد ذلك أنه لم يقل مرة واحدة الحمد لله فقدرت أن ذلك دلالة على عدم التوفيق لأنه جحد ما هو فيه من نعمة فأصبح يعذب نفسه ومن يستمع إليه بتلك الأحاديث السوداء وهو يظن أنه بها يحمي نفسه من الحسد!. وفي مقابل هذه الصورة القاتمة فإن من الناس من يظل يردد طول حياته عبارة «الحمد لله»، يرددها في حال اليسر وفي حال العسر مؤمنا بها موقنا أن جميع ما يكتبه الله على العبد هو من الخير وأن الله إذا أحب عبده ابتلاه وأن عاقبة الصبر خير في الدنيا وجنة في الآخرة. وحدثني صديق عن عجوز من أقاربه أصابتها هشاشة شديدة في العظام، فكانت إذا حملت سمع من حولها صوت تكسر عظامها وهي تتألم صامتة وربما ملأت الدموع عينيها من شدة الألم ولكنها تأبى أن تصيح أو تشكو. وذات مرة قال لها حفيدها الطبيب وهي على فراش الموت: إنني لأعجب منك يا جدتي كيف تتحملين كل هذه الآلام المبرحة دون أن يصدر منك صراخ أو شكوى، فأجابته قائلة قبل أن تسلم الروح لبارئها بأيام معدودات: هل تريدني يا ولدي أن أشكو ربي عليكم؟!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة