الانفراج والهدوء النسبي الذي شهده العراق على الصعيد الأمني في الشهور الأخيرة، تزامن معه استكمال انسحاب القوات الأمريكية في 30 يونيو (حزيران) الماضي من المدن والبلدات العراقية، وإعادة تموضعها وانتشارها (131 ألف جندي أمريكي) في معسكراتها وقواعدها (12 قاعدة دائمة) المنتشرة في كافة مناطق العراق، وذلك تمهيدا إلى انسحابها الكامل عن العراق نهاية العام 2011 ، استنادا إلى الاتفاق الأمني المبرم بين بغداد وواشنطن، الذي صادق عليه مجلس النواب العراقي في شهر نوفمبر الماضي، إثر نقاشات صاخبة شملت القوى المعارضة والمؤيدة للاتفاق، والتي توزعت مابين الكتل (باستثناء تكتل النواب الأكراد المؤيدين للاتفاق) والتحالفات المذهبية والسياسية العراقية المختلفة. رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في كلمته الخاصة الموجهة إلى الشعب العراقي بتلك المناسبة، وصف انسحاب القوات الأمريكية إلى خارج المدن العراقية، بعد مرور أكثر من ست سنوات على احتلالها العراق، بأنه «يوم وطني، هو إنجاز مشترك لجميع العراقيين، يليق بتاريخهم وإرثهم الحضاري العريق وتضحياتهم ومقارعتهم للدكتاتورية والظلم والاستبداد، ويتوج جهودهم في بناء العراق الجديد القائم على الديمقراطية والتعددية»، واصفا عملية الانسحاب بأنها «إنجاز تاريخي» تحقق بفضل «نجاح حكومة الوحدة الوطنية في إخماد الحرب الطائفية التي كانت تهدد وحدة وسيادة العراق ونجاح المصالحة الوطنية، والجهود الكبيرة التي بذلناها في عملية إعادة بناء القوات المسلحة على أسس وطنية ومهنية» ومحذرا: «إنه يرتكب خطأ فادحا من يظن أن العراقيين عاجزون عن حماية الأمن في بلادهم وأن انسحاب القوات الأجنبية سيترك فراغا أمنيا يصعب على القوات العراقية أن تملأه».. العراقيون سمعوا الكثير من التصريحات والوعود والتوجهات الإيجابية المعلنة من قبل رئيس الحكومة العراقية (نوري المالكي) أو الرئيس العراقي (جلال الطالباني) وغيرهما من الساسة الرسميين وزعماء الكتل والمجاميع (المذهبية والأثنية والعشائرية) المتصارعة، عن حديثهم المكرور حول جديتهم وحرصهم الصادق لإرساء أسس المصالحة الوطنية، واستعادة السلم الأهلي، ورفضهم الحاسم لمسار الصراع والاقتتال الطائفي/ الأثني الخطر على الجميع، والذي من شأنه التمزيق النهائي لأوصال الدولة والمجتمع العراقي في الآن معا. ضمن هذا السياق والطرح الرسمي العام سمعنا التصريحات المتفائلة لرئيس الوزراء نوري المالكي، وغيره من أقطاب السلطة العراقية بمناسبة انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية، وتأكيدهم على الالتزام بالموعد النهائي المقرر لانسحاب تلك القوات من العراق، ومعلنين الثقة بسياسة وتوجهات الحكومة، وبقوات أجهزة الأمن (نصف مليون عسكري) والجيش (300 ألف مقاتل) العراقي في إرساء دعائم الأمن، واستكمال مقومات السيادة، الاستقلال، الوحدة الوطنية، وبناء سلطة القانون المستندة إلى مبادىء المواطنة (المتساوية في الحقوق والواجبات) وقيم الحرية والعدالة، إلى جانب إطلاق عجلة إعادة الإعمار والتنمية المستدامة لكافة مناطق العراق. غير أن ما حملته تلك التصريحات من ثقة وتفاؤل، اعتبرت من قبل العديد من المحللين والمراقبين للشأن العراقي، ومن قبل المعارضة العراقية بل وحتى بعض الشركاء داخل الائتلاف الحكومي، أنها للاستهلاك الإعلامي، وموجهة للخارج، وبالتالي تندرج في إطار التسويق السياسي والعلاقات العامة لرئيس الحكومة عشية الانتخابات العامة المقبلة، والمقرر إجراؤها في غضون الشهور القليلة القادمة، حيث إنها لا تعكس الواقع الفعلي على الأرض بالنسبة لممارسات ومواقف الغالبية الساحقة من الساسة العراقيين الذين فشلوا في تحقيق أي من الاستهدافات والشعارات المطروحة رغم مرور أكثر من ست سنوات على الإطاحة بالنظام السابق. غالبية العراقيين يطحنهم التخلف، الفقر، البطالة، الأمية والفساد. وتهالك البنية التحتية وانهيار الخدمات الأساسية (تعليم، صحة، إسكان) وتردي المقومات الحياتية الضرورية الأخرى ( كهرباء، مياه صالحة، صرف صحي، نظافة عامة) وقبل كل شيء افتقادهم لأبسط شروط مقومات الحياة، الأمن، والكرامة الإنسانية، وأدل مثال على ذلك هو مئات الآلاف من القتلى والمعوقين والأرامل من المدنيين، الذين سقطوا نتيجة عنف وهمجية قوات الاحتلال من جهة ، وعنف وإرهاب الجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية من جهة أخرى، ناهيك عن وجود مايربو على الخمسة ملايين نازح ولاجئ عراقي. وفقا لما جاء في تقرير لمنظمة الهجرة الدولية، فإن خمس العراقيين أصبحوا لاجئين داخل بلادهم وخارجها منذ دخول جيش الاحتلال الأمريكي للبلاد في مارس 2003، وإن أزمة اللاجئين والنازحين العراقيين قد اتخذت كما أسمته منظمة العفو الدولية (أبعادا مأساوية) وإن حكومات العالم لم تفعل سوى القليل للمساعدة كما إن المجتمع الدولي تخلى عن واجبه الأخلاقي تجاههم. وللحديث صلة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة