«إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة، والسبب:«لتخرجوا منها أهلها». هذا هو المنطق الفرعوني، حين يشعر بأزمة الإفلاس مقابل طوفان القناعات. ولا ينتهي الأمر هنا، إذ ما تبزغ فكرة، حتى يبزغ أعداؤها. مهما يكن نصيب الفكرة من الصحة أو الخطأ، كون العلاقات طردية، تناوش لمجرد المعاكسة، تبدو أحيانا كذلك لا أكثر. الضاربون على هذا الوتر، وتر التخويف من الفكرة الجديدة. ليس المشكل أن يخافوا أو يخيفوا، لكن المشكل جعلهم الآخر دائما عدوا مخربا محاربا، لا بد من قطعه وبتره واستئصال أثره. كونه آتيا بما سيجلب البلاء والطاعون. ثم يكون هذا الخوف والتخويف باسم المدينة والوطنِ والأمة. يعرض القرآن هذا النموذج الفرعوني الممعن في الديكتاتورية، ليرينا صورة بائسة من مفاهيم تحترف الضرب على وتر الأمن القومي أمام كل قناعة لا تؤمن بها. وتصير صورة لما يحدث الآن، من تيارات تتعاكس فيما بينها، وتعلن الحرب سافرة لدحض بعضها البعض، مسرحيات منتهية التاريخ، واضحة العور، مكشوفة الزيف، وأن فرعون حامي حمى المدينة وسلطانها الوحيد: قضى وجيشه تحت غمرات بحر لجي من ركام الخزي والعبرة.. ما أبأس الإنسان، حين لا يجد لدحض فكرة سوى تخوين صاحبها، حين لا يقارع حجة إلا باتهام قائلها. حين تنحط الإنسانية في أبشع صورها، وتشتعل مدرجات الهاتفين لأكبر زمار، وتخرج قطعان المؤججين للفتنة لا تعي شيئا ولا تدرك أمرا إلا أن تلعن في الصحو والرقاد، خائن الأمة ولاعنها، وآتيها بما يخرب أعمق أعماق نظامها. حين ذاك تكون هذه البلدان، في زرائب من القطيعية التي لا تتقن شيئا كما هتاف الإشاعة، وهذر التصنيف، ورمي الآخر بكل سوء. حين تصبح المجتمعات ممسية مصبحة على التناجي والتحريض والتآمر وشعارات «من ليس معنا .. فهو ضدنا». [email protected]