غيّب الموت الشيخ العلامة الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين عن صيام هذا العام، بعد أن دهمه المرض وبقي فترة من الزمن يتلقى العلاج متنقلا بين مستشفى الملك فيصل التخصصي والمستشفيات الألمانية حتى وافاه الأجل في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الاثنين الموافق ل 20 من شهر رجب وأديت الصلاة عليه في جامع الإمام تركي بن عبدالله (الجامع الكبير) في الرياض، ثم ووري الثرى في مقبرة العود. وابن جبرين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين من آل رشيد وهم فخذ من عطية بن زيد وبنو زيد قبيلة مشهورة في نجد كان أصل وطنهم مدينة شقراء، ثم نزح بعضهم إلى بلدة القويعية في قلب نجد وتملكوا هناك. ولد في عام 1352ه في إحدى قرى القويعية ونشأ في بلدة الرين وبدأ التعلم في عام 1359ه حيث لم تكن هناك مدارس مستمرة، فتأخر في إكمال الدراسة، لكنه أتقن القرآن وعمره لم يتجاوز اثني عشر عاما. وتعلم الكتابة وقواعد الإملاء البدائية ثم بدأ في الحفظ وأكمل تعليمه في عام 1367ه، وكان قد قرأ قبل ذلك في مبادئ العلوم، وقرأ أول الآجرومية وكذلك متن الرحبية في الفرائض وفي الحديث الأربعين النووية حفظا وعمدة الأحكام. حصل على الدكتوراه من كلية الشريعة في جامعة الإمام في عام 1407ه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وأثناء هذه المدة وقبلها كان يقرأ على أكابر العلماء ويحضر حلقاتهم ويناقشهم ويسأل ويستفيد من زملائه ومن مشايخهم في المذاكرة والمجالس العادية والبحوث العلمية والرحلات والاجتماعات المعتادة التي لا تخلو من فائدة أو بحث في دليل وتصحيح قول ونحوه. تزوج بابنة عمه في أواخر عام 1370ه وتوفيت في عام 1414ه، ورزق منها باثني عشر مولودا من الذكور والإناث مات بعضهم في الصغر، والأحياء منهم ثلاثة ذكور وست إناث تزوجوا جميعا. سكن ابن جبرين بيتا من الطين والخشب القوي وقام فيه سبعة عشر عاما يعيش في وسط من الحال لا إسراف فيه ولا تقتير ولم يتوسع في الكماليات والمرفهات لقلة ذات اليد، وفي عام 1402ه انتقل إلى منزله الحالي الذي أقامه بمساعدة بنك التنمية العقارية وعاش فيه كما يعيش أمثاله في هذه الأزمنة. درس ابن جبرين على يد عدد كبير من المشايخ والعلماء -رحمهم الله- وتنقل بين العديد من الأعمال من بينها انتقاله في عام 1402ه إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد باسم عضو إفتاء، وتولى الفتاوى الشفهية والهاتفية والكتابة على بعض الفتاوى السريعة وقسمة المسائل الفرضية وبحث فتاوى اللجنة الدائمة التي يناسب نشرها وقراءة البحوث المقدمة للمجلة فيما يصلح للنشر وما لا يصلح، وما زال هكذا حتى انتهت مدة خدمته في دار الإفتاء. وفي حوار مع «عكاظ» قال نجله سليمان إن والده -رحمه الله- كان يبدأ يومه الرمضاني بتأخير السحور إلى قبيل الفجر مباشرة وبعد السحور يتوجه للمسجد ويصلي الفجر ويبقى فيه يقرأ القرآن ويسبح حتى شروق الشمس ثم يعود إلى المنزل وينام حتى الساعة العاشرة والنصف، يستيقظ بعدها ويبدأ بقراءة الكتب والإطلاع على البحوث ويراجع المسائل الفقهية، خصوصا ما كتبه طلابه حيث يحرص على مراجعته وتنقيحه، ويعمل على ذلك حتى أذان صلاة الظهر، وبعد أن يؤدي صلاة الظهر يحرر الفتاوى. وخلال هذه الفترة يرتاح حتى صلاة العصر ثم يؤدي صلاة العصر ويبدأ في استقبال الزوار والمهنئين برمضان ويحرص من خلال ذلك على مساعدة المحتاجين وسد حاجتهم وقضاء حوائج المعوزين، ويبقى في مجلسه حتى المغرب. ويضيف «كان حريصا على عمل دورية رمضانية للإفطار بين الأقارب وكان من المشجعين لها ومن شدة حرصه كان لا يعتذر عن حضور أي اجتماع بل كان يبادر بالحضور، وبعد الإفطار يحرص على الجلوس مع العائلة ويمضى معهم قرابة ساعة إلا ربع ثم يتوجه لأداء صلاة العشاء، وكان يحرص على أداء صلاة العشاء كل يوم في مسجد وذلك بهدف إلقاء الكلمات التي يتخللها الوعظ والإرشاد والنصح والتبيين، ويسير على هذا النهج طوال الأيام الخمسة عشر الأولى من الشهر الكريم. وفي النصف الأخير من رمضان يتوجه إلى مكةالمكرمة ليتفرغ للعبادة والصلاة وكان يجلس أحيانا في مكة بعد الظهر أو بعد صلاة التراويح ليقابل الناس ويجيب على أسئلتهم. ويذكر سليمان أن والده كان يحرص في رمضان على قراءة الكتب خصوصا ما يتعلق بالمواسم ككتب الصيام وكتب شرح بلوغ المرام وشرح زاد المستقنع، إلى جانب حرصه على ختم القرآن، «كان يختم القرآن كل يومين أو ثلاثة، وكان يقرأ القرآن عن ظهر الغيب فهو يقرأه وهو في المجلس إن لم يكن يشغله شاغل ويقرأه في السيارة ويقرأه في المسجد وفي كل مكان مناسب لذلك، وكنا لا نعرف أنه يقرأ إلا عندما نشاهد شفتاه تتحركان». ويشير إلى أن الشيخ ابن جبرين كان من أشد الناس حرصا على الصدقة في رمضان، فكان يصرف عددا كبيرا من الريالات بجميع فئات العملة السعودية ومن لحظة خروجه من المسجد أو من الحرم الى مكان سكنه وهو يتصدق على كل من يقابله ويسأله، وكان أيضا يحرص على النصح والإرشاد والتوجيه والتربية والتعليم لمن يقدم لهم الصدقة بأسلوب أبوي وبابتسامة وبشاشة وجه ويشير بلين لمظاهر المخالفات الشرعية؛ فكان يحرص على نصح المرأة بالحجاب عندما يقدم لها الصدقة كما كان ينصح المدخن عندما يقابلة في الطريق بإشارة لرمي السيجارة وأسهم في إقلاع البعض عن التدخين. سلمان أشار في ختام حديثه أن والده وثق سيرته بنفسه على موقع الشيخ على شبكة الانترنت لمن اراد الاطلاع والاستفادة.