«وداعا يا صاحب الأيادي البيضاء فقد أحتاج إليك الفقراء والأيتام في رمضان هذا العام». بهذه العبارة تحدث ل «عكاظ» خميس بن حسن الشنبري والد المربي والداعية فايز الشنبري معلم التربية الإسلامية في مدرسة أبي زيد الأنصاري لتحفيظ القرآن الكريم في مكةالمكرمة الذي قتل داخل فناء المدرسة وأمام أنظار أبنائه وطلابه قبل نحو شهرين ونصف. يقول أبو فايز (80 عاما) وهو يغالب دموعه إن رمضان في هذه السنة ليس له طعم بغياب فايز الذي يحمل صفات الكرم والنخوة والرجولة، وينفق أمواله في عمل الخير، ويعمل في مجال الدعوة إلى الله إلى جانب عمله الرئيسي في التعليم، وتستهويه تربية الإبل. وأوضح أن دخول شهر رمضان في هذا العام عمق حزننا على فراقه كونه العام الأول الذي نصوم فيه ونفطر دون أن يكون فايز بيننا، حيث «كان يحرص أن يشاركني وجبة الإفطار في اليوم الأول من رمضان وكان يسبق جميع إخوته في هذه البادرة ويحرص كل الحرص على جمع إخوته وأخواته على وجبة الإفطار في منزلي». وكشف العم خميس عن قصة الأيتام والأرامل الذين قدموا للمنزل يبحثون عن ابنه فايز مع بداية شهر رمضان، فيقول: «تفاجأت بقدوم نساء وأطفال إلى منزلي يسألون عنه وحين أخبرتهم بأنه توفاه الله ذرفوا الدموع على فراقه وذكروا بأنه كان يتعهدهم في رمضان ويوفر لهم كل ما يحتاجون إليه». وأضاف في ذات الصدد بأنه تلقى اتصالا هاتفيا من السودان وكان المتصل يسأل عن فايز فأخبرته بخبر وفاته وسألته ماذا تريد منه: فقال لي: نحن مجموعة من الأيتام شكونا إلى الشيخ فايز حاجتنا فتكفل بإرسال مصروفنا الشهري وما نحتاج إليه بشكل دائم وتفاجأنا بانقطاع معونته منذ فترة قصيرة وبادرنا للسؤال عنه.. واختتم والده الحديث بأن بعض الأعمال الخيرية لم نكن نعلم عنها حيث كان ينفق في السر واكتشفناها بعد وفاته. «عكاظ» زارت أسرة المعلم القتيل في منزل والده الكائن في مخطط السبهاني في مكةالمكرمة وشاركتهم وجبة الإفطار، وظهر جليا حزنهم العميق على فقد ابنهم الذي يعمل متطوعا في مكتب الدعوة والإرشاد في مكةالمكرمة يدعو إلى الله سبحانه ويلقي محاضرات ويسعى في الإصلاح بين المتخاصمين. ويقول شقيقه فهد: «بفقد فايز فقدنا أخا وشيخا لن ننساه ماحيينا، فهو يتمتع بدعابة لا تجدها في غيره، فإذا جلس في المجلس وتكلم فالكل ينصت ويستمع إلى حديثه الذي يضفي على المجلس جوا جميلا، فقد أحبه طلابه وتعلقوا به أيما تعلق، وكانت شخصيته تتميز بالمرح واللطف فهو رجل تربوي لا مثيل له، ونسأل الله له الرحمة والمغفرة». وأضاف: إن شقيقه الذي يصغره بعام من ذوي المسلك الحسن «يجبرك على احترامه ويسعى في فعل الخير وقضاء حوائج الناس». وعن حياته في رمضان يقول: «ما أن يبدأ رمضان حتى يتفرغ للعبادة ويحرص على قضاء احتياجات أسرته لرمضان والعيد قبل بدء الشهر، ويؤم المصلين في صلاة التراويح في الحي الذي يسكنه، وكان صوته جميلا يجذب به المصلين، كما اعتاد منذ صغره على الاعتكاف خلال العشر الأواخر في المسجد الحرام». أما ابنه الأكبر أنس الذي تولى مهمة رعاية الأسرة بعد مقتل والده، فيؤكد: «إن غياب والدنا عن مشاركتنا رمضان هذا العام عمق من حزننا على فراقه، حيث ترتبط ذاكرتنا برمضان والأعمال التي كان والدي شديد الحرص عليها، حيث كان يحرص على إفطار الأسرة إفطارا جماعيا طيلة شهر رمضان، ويصطحبني أنا وإخوتي لصلاة العشاء والتراويح، بعد ذلك يمارس عمله في الدعوة إلى الله، وكان يقف على حوائج الأسر الفقيرة في الحي، ويحرص دائما على أن يكونوا في أحسن حال، وكان عضوا في جمعية خيرية لرعاية الأيتام، ويتلمس احتياجاتنا الأسرية ويلبي لنا كل ما نحتاج إليه». ويضيف: «كان والدنا حريصا على تربيتنا التربية الإسلامية الصحيحة، حيث أصر على دراستنا في المدرسة التي يعمل فيها رغم بعدها عن المنزل كونها مدرسة لتحفيظ القرآن، وكان أمله دائما بأن نكون مثله من حفظة القرآن، وكان دائما ما يؤكد لنا ضرورة أن نحترم الآخرين ونراعي ظروف الفقراء، ولا نتأخر في الوقوف إلى جانب المحتاج، وكان يحثنا على القراءة والإطلاع على كل ما هو مفيد، ودائما كان يوصيني بالاهتمام بإخوتي». فايز الشنبري فجعت أسرته بمقتله في المدرسة التي يعمل فيها معلما للتربية الإسلامية قبل بدء اختبارات الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الماضي، بعد أن تسلل قاتله إلى داخل المدرسة وأطلق ثلاث رصاصات كانت كفيلة بإنهاء حياته وسط نظرات طلابه وزملائه. وهو خريج كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى وعين معلما في سنة 1412ه في محافظة الليث وعمل فيها لأكثر من أربع سنوات، بعدها انتقل إلى إدارة التربية والتعليم في محافظة جدة وعمل فيها نحو سنتين، ليستقر به العمل بعد ذلك في مكةالمكرمة حيث عين في مدرسة أبي زيد الأنصاري، واستمر عمله فيها لحين مقتله داخل فنائها.. ويعد فايز الشنبري من حفظة القرآن الكريم ويعمل في مجال الدعوة إلى الله، وهو متعاون في مكتب الدعوة والإرشاد في مكةالمكرمة، وله مساهمات دعوية في محافظات ومراكز المنطقة حيث يلقي المحاضرات والدروس، ويقدم مساعدات خيرية للفقراء، كما أن له جهودا في توعية الحجاج والمعتمرين خلال موسمي رمضان والحج، كما يعمل في الإصلاح بين الناس وفض منازعات الخصوم، ويؤم المصلين في مسجد الحي، وهو عضو في جمعية خيرية لرعاية الأيتام، ومتزوج من زوجتين وله عشرة من الأبناء.