كلنا ينتظر صوته ليعلو في الآفاق معلنا عند الفجر الإمساك عن محظورات الصيام وفي المساء يعلو صوته ليعلن عن الإباحة وفق الشريعة الإسلامية السمحة، ويجتمع الأفراد حول السفرة فإذا صدح صوت ذلك الشخص بادر الجميع إلى الموائد وبدأوا فصول يومهم. دعنا عزيزي القارئ نغوص في فلك ذلك الشخص الذي يعلو صوته في الفجر والمغرب.. إنه المؤذن: في البداية يقول مؤذن مسجد اليامي منصور آل حارث، إن تجربته في الأذان بلغت ما يقارب الخمسين عاما وكان يؤذن إلى جانب عمله الحكومي قبل التقاعد، وبعد التقاعد لا يزال مرتبطا بمسجده ومفتخرا بعمله الذي يجعل الجميع ينتظرون صوته، فإذا غاب تبادرت الاتصالات تبحث عنه، وبقلق يردد الجميع أين المؤذن؟. ويضيف بالقول «حين يقترب شهر رمضان أجهز المنبه واستعين بساعة جديدة وتقويم (أم القرى) حتى أضبط وقت الأذان في الصلوات في شهر رمضان، خصوصا صلاتي الفجر والمغرب، مشيرا إلى حدوث مواقف طريفة خلال شهر رمضان، حيث يقول إنه نام في أحد الأيام بعد صلاة العشاء واستيقظ في آخر الليل، حتى اختلط عليه الوقت ليقوم مسرعا للمسجد، وحينما دخله وأراد أن يؤذن الفجر، فرك عينيه مجددا ليجد أنه تبقى على صلاة الفجر ساعتين. وأردف «مهمة الأذان عسيرة وأن على المؤمن أن يستشعر قيمة الأذان وما يرتجيه من فضل وبر وإحسان، وأن على المؤذن أن يضع مراقبة الله أمام عينيه، وأن يستعين بالله في هذه المهمة الشاقة، التي تزداد مشقتها في رمضان لارتباطها بشعيرة الصوم». أما حسن القحطاني مؤذن مسجد الخير فيشير إلى تجربته في الأذان ويقول إنها منذ زمن بعيد، ويؤكد استعانته بالراديو في صلاتي الفجر والمغرب في رمضان حيث يجلس إلى أحد أعمدة المسجد ويقوم بتشغيل الراديو، فإذا علا صوت المؤذن من المسجد النبوي الشريف بادر وأذن لهاتين الصلاتين. ويصف فطور المؤذنين ويقول: يتكون في الغالب من تمر وماء وقهوة، وأبناؤه هم من يأتون بتمرته وقهوته وبعد العودة من الصلاة بعد إغلاق المسجد يكمل إفطاره، ويشير إلى أن المسلم عندما يكثر الإفطار بعد الأذان فإنه يشعر بثقل أثناء أدائه الصلاة. وأضاف القحطاني: هناك مواقف تحدث للمؤذنين منها أنه في أحد الأيام كان ينتظر الأذان وفجأة لم تعد بطارية الراديو صالحة، ولم يكن هناك جوال بحوزته فذهب لمنزله ليخبر ابنه بأن عليه تنبيهه، وأثناء وصوله لمنزله ارتفع صوت المؤذنين ليعود أدراجه ويبلغ المسجد بعد أن انتهى الأذان ليستمع إلى بعض «القفشات» من المصلين. أما عبد الله الحربي مؤذن مسجد، فيقول «المؤذن يكسب أجرا كبيرا وهناك من يشارك المؤذن طعامه من الفقراء الذين لا يجدون لقمة العيش فيشاركون المؤذن تمراته وقهوته وأنه يشعر بلذة روحانية حين مشاركتهم له إفطاره، بل يدعوهم لبيته بعد الصلاة كي يشاركوه بقية إفطاره. ويصف المواقف التي يتعرض لها المؤذن بأنها كثيرة، ويعود معظمها للخمول الذي يجتاح الإنسان في بعض الأحيان، ولكن على المؤذن أن يستعين بالله ثم بالمنبهات كالساعة وغيرها، ويقول «التقنية لها دور كبير خصوصا برامج الأذان في الجوال وأنه يستعين بها لأداء مهمته ويشعر بالراحة أثناء استخدامه لها، وأنها سهلت له أمور الأذان والإقامة». من جانبه يقول الدكتور سعود بن فرحان الحبلاني العنزي وكيل المعهد العالي للأئمة والخطباء في جامعة طيبة، للمؤذن فضل عظيم ومكانة خاصة يوم القيامة وتقع على عاتقه أمانة كبيرة ومسؤولية بالغة، فهو الذي يتحرى الوقت، وبصوت الحق يصدح وأن عليه تثقيف نفسه في معرفة الأحكام المتعلقة بالأذان والإقامة. ويضيف: المؤذن صاحب رسالة سامية لأنه يرابط في كل يوم وليلة خمس مرات وتزداد مسؤوليته في شهر رمضان المبارك وخاصة في أذاني المغرب والفجر، حيث ترتبط بأذانه أحكام أخرى تتعلق بالصائمين الذين ينتظرون سماع «الله أكبر» للإفطار والإمساك ويجب عليه استشعار الأمانة تجاه أولئك الصائمين، ولا يترك الأذان لقليل الخبرة عن طريق التوكيل والسفر لأداء العمرة حتى لا يأثم بالتقصير تجاه المهمة التي أنيطت به.