جاء الإسلام متوازنا مع طبيعة الإنسان، جاء ليحفز مواطن الإيجابية ويهذب انفعالات السلوك وفي المقابل أزال الغشاوة عن مفاهيم منتكسة تتذرع بالتدين وبمظاهر الارتقاء الإيماني لتجعله جنة بين الجوارح والإنجاز. فرق بين الإيمان وبين العمل الذي انطلق من رحم الإيمان.. فيض الإيمان الذي يستقر في أضلاعنا يظل خاملا ما لم يندفع سلوكا يغير وجه الأرض ويظل قاصرا عن أن يحيي أمة ما لم يكن إيجابيا فاعلا متفاعلا مع واقعه أما العمل الصادق فهو تعبير عن زيادة منسوب الإيمان الإيجابي الذي يحقق معنى الاستخلاف بأبهى صوره. الإيمان القاصر على الفرد حسن ومحل اعتبار ولكن أمة كأمتنا تعيش ركودا كالذي نعيش فيه تحتاج إيمانا نافعا متعديا كالذي أخرج من بطون الوديان رهبان الليل وفرسان النهار. كم من عابد زاهد ظل ورعه وصفاء سريرته لا يتعدى أركان جسده المؤمن.. وكم من عابد زاهد من أصحاب العمل الدؤوب الذين كانوا لبنة التغيير الحضاري في دولة الإسلام الأولى يعيشون بيننا.. الفرق مرجوح ولذلك واقعنا مازال مرجوحا! التاريخ يذكر أن شهر رمضان كان شهرا حافلا بإنجازات الإيمان المتعدي الذي تحول إلى سلسلة عملية من الانتصارات الكبيرة والفاصلة في مسيرة الأمة. رجال بدر الذين لم يكسر إراداتهم تضاعف أعداد المشركين، وفاتحو السند الذين لم تعقهم حداثة التجربة ولا صغر قائدهم محمد بن القاسم الذي كان آنذاك دون العشرين كل هذه الانتصارات كان محفزها الإيمان بالله وارتفاع منسوبه في نفوس المسلمين أما حين يكون الإيمان معوقا في نفوس بعض الذين أخذوا قشور الفهم للإسلام ليجعلوه طقوسا وتراتيل ومراتب وقصائد فهو انتكاسة للفطرة ومصادمة للإسلام وانقلاب على مفاهيم السلف الصالح وتساوق مع أهداف العدو في إبقاء أمتنا رهينة الخضوع. أمامنا في هذا الشهر فرصة حقيقية للتغيير والانتقال بأنفسنا من ارتخاء الإيمان واقتصاره على الرقي بأنفسنا إلى ساحة الإيمان الكبير للارتقاء بأنفسنا وتهذيب سلوكنا والمساهمة في رفد هذا المجتمع الإسلامي بعطاءات الإيمان وتحويل ومضات الحماس الذي تدفعه إلينا روحانية الزمان إلى نجاحات إيجابية وانتصارات على الذات وإنجازات للمجتمع. أمتنا بحاجة ماسة إلى وميض الانتصارات نشعلها بريقا يرفع من قامتها وقيمتها في ميادين المنافسة العالمية.. إنه الإيمان الحضاري الذي عرفه سلفنا الصالح فتحولت أمتنا إلى خير الأمم وقفزت في مراتب التقدم إلى منصات التتويج وهو ما يلزمنا إعادته لإيقاف زحف الإيمان السلبي الذي أقعد البعض عن العمل وجعل جل ما يحلمون به اتكاءة في جلسات لا يذكرها التاريخ في سيرة الفاتحين. الإيمان الحضاري إيمان صناع الحضارة من سلفنا الأول وهو ما يحتاجه اللاحقون من المؤمنين في عصر المادية الزائف. * إعلامي سعودي