يرى الروائي بهاء طاهر في كتابه «أبناء رفاعة.. الثقافة والحرية» أن المثقفين هم الذين نقلوا مصر إلى العصر الحديث، لامتلاكهم قدر من الوعي بأسس الدولة المدنية. لكنه يرصد أيضا كيف تراجع دور المثقف وضعف الإيمان بأهمية الثقافة في نهاية القرن العشرين. ويقول إن المدارس المصرية خرجت جيلا من المثقفين الرافضين لأسلوب محمد علي الذي حكم البلاد بين عامي 1805 و1848 وأنهم خاضوا صراعا طويلا امتد حتى نهايات القرن التاسع عشر «لانتزاع الحقوق والحريات... وأبسطها حرية الحق في الحياة»، وأدى نضالهم إلى تأكيد ذات ثقافية مستقلة عن «التغريب والتتريك»، حيث يتفق طاهر مع المفكر المصري جمال حمدان (1928-1993) في أن «الاستعمار العثماني.. يعد نوعا خاصا ومحيرا ربما من الاستعمار الديني، ولولا القناع الديني لعد مماثلا للغزو المغولي الوثني». ويضيف أن أبرز الذين يرجع إليهم الفضل في التوعية بالدولة المدنية ونشر ثقافة الحرية رفاعة الطهطاوي (1801 1873)، وعلي مبارك (1824-1893 )اللذين خاضا معركة نشر التعليم في مصر، إضافة إلى الإمام محمد عبده (1849 1905 ) وعبد الله النديم (1843 1896) وقاسم أمين (1863-1908). وحظي عميد الأدب العربي طه حسين (1889-1973) وحده بالنصيب الأكبر في الكتاب من خلال فصلي «الثورة على المثقفين» و «نحن والغرب في أدب طه حسين»، إذ يسجل المؤلف أن «كل من يمسك قلما اليوم يدين لطه حسين بفضل التعلم بمن في ذلك من يستخدمون أقلامهم للهجوم عليه وعلى التعليم وعلى التنوير الذي أوجد الجامعة ونشر التعليم الذي أفادوا منه». إلا أنه يشدد على أن ثورة يوليو تموز 1952 لم تترك الفرصة للعميد «ولا لنا» لتجسيد ثقافة الحرية في المجتمع. وطرحت دار الشروق في القاهرة طبعة جديدة تقع في 199 صفحة من القطع المتوسط من الكتاب الذي تضمن فصولا عن أدباء أحبهم المؤلف مثل يحيى حقي ويوسف إدريس ويحيى الطاهر عبد الله. والمؤلف من أبرز الروائيين في العالم العربي وحظيت أعماله بكثير من الاهتمام النقدي كما ترجمت إلى عدة لغات. وفي مقدمة الطبعة الجديدة يقول طاهر «ربما يكون أدق وصف لهذا الكتاب هو صعود الدولة المدنية وانحسارها»، فالجزء الأول من الكتاب يرصد الصعود التدريجي لخروج المجتمع المصري من ظلام العصور الوسطى إلى أنوار الحداثة والحرية بجهود مثقفين على امتداد نحو 150 عاما.