علينا أن نكون أكثر ثقة بفداحة ما يحدث، أكثر معلومية وأكثر إيمانا بأن ما يجري محض كارثة. اليوم سنعمد إلى لغة الأرقام، عل القلوب اللاهية بمتابعة صفيق «أبواب الحارة» وشبابيك المدينة، أن تعي جزءا مما يحصل، إذ يقبع بين يدينا الآن تقرير «مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان»، راصدا أبرز الانتهاكات الصهيونية ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين خلال عام واحد يمتد بين الأغسطسين، 2008 و2009 ميلادية. والأمر يبدو كعناد وإمعانٍ في النكاية لا أكثر. هذا التقرير سجل عشرات الانتهاكات، راصدا بلغة الرقم أن نصيب القدس منها الأولوية المطلقة، وقد يكون لكثرة المقدسات وحرمة المدينة أساس في ذلك، لكنه يحكي أكثر عن مذلة تتوج ذي العاصمة المشرفة من قبل السماء والأرض على السواء، ويسجل خزيا سيمتد ليشمل كل عاصمة للثقافة ستخلف هذه المدينة التي نتفق مع الفنان دريد لحام، بكونها ليست بحاجة لتتويجنا، ولن ينقصها أن نخلع عنها هذا الوسام لعاصمة أخرى، تغط في نوم عميق الساعة، بينما منائر القدس تؤذن بأن المذلة أكبر. هذا التقرير بين يدي القارئ كهدية رمضانية، قد تشعره قداسة الزمانِ بتذكر قداسة المكان، يحكي عن بداية هذي الانتهاكات منذ قيام «إسرائيل» عام 48، «حين هدمت القوات الإسرائيلية العشرات من مساجد القرى التي احتلتها الدولة العبرية بعد أن هجرت سكانها منها، وواصلت استهدافها المقدسات الإسلامية والمسيحية وبلغت ذروتها خلال انتفاضة الأقصى من خلال قصف العديد من المساجد وهدمها واقتحام أخرى، فضلا عن الحرب الأخيرة التي شنتها «دولة» الاحتلال على قطاع غزة التي دمرت من خلالها عشرات المساجد في مطلع العام الحالي». ويحكي التقرير في جانب آخر عن المكيال الإسرائيلي في إدارة المقدسات، حين يوضح «أنه في اللحظة التي يشدد فيها جيش الاحتلال قبضته على مدينة القدس والمسجد الأقصى ويمنع مئات المصلين من دخوله والصلاة فيه، فإنه يسمح للمغتصبين الصهاينة والأجانب والسياح الغربيين بدخول ساحاته؛ مما يهدد قدسية المكان ويثير حساسية شديدة لدى المسلمين، مؤكدا أن كل ذلك مخالفة للعديد من المواثيق والقوانين الدولية واتفاقيتي «لاهاي» و «جنيف» اللتين تطالبان بضرورة حماية هذا الحق، وعدم انتهاك حرمة الأماكن المقدسة لدى الشعوب المختلفة وقدسيتها، وشددتا أيضا على ضرورة الحفاظ على الأوضاع الثقافية والتراثية في أي بلد». ولن نحكي هنا أكثر عن مواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بمواده الثامنة عشرة، والسابعة والعشرين على سبيل المثال، الداعية لحفظ حقوق اختيار الناس لمقدساتهم، واحترامها، وصونها عن أي ابتذال وامتهان، لأننا سنبدو حينها كواعظ يمد للذبح بينما هو يعظ قاتله قائلا: «سم الله، وعلى القبلة يكون الذبح أقرب للسنة»، في دولة معربدة تقيم قوانينها كمضادات لقوانين هذا العالم المتبدي كباب المسلخ المركزي، يشاهد كل الذبائح بصفاقة الوقوف الأرعن. إن المسيحية ليست بعيدة عن الإسلام في ذي المدينة يا دعاة حوار الحضارات والحارات، إن مقدساتهم تداس أيضا، تنتهك، تباع، تقام في مزادات وهمية، وتجد منهم من يدفع أكثر دائما، كونهم يؤمنون بما يعملون، ولا نعمل بما نؤمن، نحن معشر المتقلبين على الموائد والوسائد في هذا الشهر الكريم. أوجه التضييق لا تتمثل فقط في هدم المنازل، ولا الاعتداء على المقدسات، ولا منع الصلوات، ولا تشريد الطفولة، ولا قتل حمائم السلام، ولا نزع الملكيات، ولا تزييت مجنزرات الاحتلال بزيت الزيتون المقدسي، ولا صمت هذا العالم، إنها تتمثل أيضا في تهويد الأماكن على غير عربيتها، في تزييف التاريخ، في بناء حدث تراكمي اسمي فعلي من لا شيء سوى الظلم والطغيان. يذكر التقرير عددا من الانتهاكات «يقدره ب87 انتهاكا صارخا، كانت نسبة المدينة المقدسة منها 56 انتهاكا مختلفا، وهو ما تعادل نسبته 65 في المائة من مجمل الانتهاكات الصهيونية». وهو ما يعزز بصدق مقولة أن ذا الكيان الغاصب يسعى للنكاية في الوصول لما يريد، لا يكتفي بمحض الاغتصاب، قدر ما يمعن في الإذلال، وفي تكريس غصة المهانة في نفس كل شريف.. ولو تساءلنا، على سبيل المثال، ما الذي قدمته أنديتنا الأدبية، بوصفها مؤسسة الثقافة لدينا، احتفاء باختيار القدس عاصمة للثقافة، لما وجدنا كثيرا ولا قليلا، يجاوز ما قدمته صحفنا وكتابنا ومثقفو الدكاكين التجارية لدينا لراوية فتاة لم تعرف بعد كيف تحكم حجابها على رأسها. وعليه: فإننا نمعن أكثر في انتهاك القدس، بنسيانها أولا، وبالسكوت على ما يجري ثانيا، وباعتبار هذا المسمى التتويجي طابورا ليس إلا، يمر بمرور العام، وكفى الله المثقفين العناء. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة