البعض يغضبه أني لا أعلق أو أقدم النصائح والمواعظ لمن يمر في لحظة ضعف كالمراهق والمراهقة اللذين نشرت رسائلهما الغاضبة والحزينة، أو كالمرأة الثلاثينية التي تشعر بأنها مهملة، آخر رسالة غاضبة وصلتني من الأخت القارئة «لينة عباس جدة» ، وكانت رسالتها عبارة عن سطر واحد: «نشرت وجهة نظر سيدة، ولكنك لم تنفها أو تصحح لها أو تنصحها حتى، هذا يعني أنك مؤيدها وهذا إجحاف في حقها رغم تأييدك». الحق يقال إني أتعاطف مع أصحاب هذه الرسائل الغاضبة كما أتعاطف مع تلك الرسائل التي تروي حالة ضعف أو لحظة حزن يشعر بها إنسان ما، وسبب تعاطفي مع الغاضبين أنه لا يمكن لك أن تطلب من شخص عاش طوال حياته وهو يقرع في البيت والمدرسة والتلفزيون والمنابر بالمواعظ ثم تقوله له لماذا أصبحت واعظا؟ لأنه من المفترض إن لم يكن واعظا أن تقول له: كيف تخلصت من ألا تصبح واعظا، وسط كل هؤلاء الوعاظ؟ فهو ومنذ الصغر يبدأ بتلقي المواعظ في البيت، كأن تقول له أمه أو والده: لا تكذب إن الكذب أمر سيئ؟ وما إن ينتهي هذا الوالد من نصح ابنه، إلا وهاتف البيت يصرخ، فيرد على الهاتف، ثم يعتذر لصديقه أنه لا يستطيع القدوم إليه؛ لأن لديه ضيوفا في البيت، مع أنه لا يوجد أحد. وهكذا يمضي هذا الطفل حياته ينتقل من واعظ متناقض لآخر متناقض أيضا، إلى أن يصبح هو واعظا متناقضا، لهذا قلت أتعاطف مع أولئك الغاضبين أيضا، وأتفهم لماذا هم يقرعون كل شخص يروي لحظة ضعف أو حزن عاشها؟ ورغم هذا التعاطف إلا أني أود أن أسأل أغلب أفراد المجتمع الذي أحبه مع أنه يثير حنقي: ألم يشعر أحدكم ولو ليوم واحد أنه مهمل، ولا أحد يكترث له؟ أظن لا يوجد إنسان لم يمر بهذا الشعور، ولم يقع أسير لحظة ضعف، في هذه اللحظة لا يريد نصائح ولا مواعظ؛ لأنه يعرف ما الصواب وما الخطأ خارج لحظة الضعف هذه، حتى سكان السجن لو سألتهم ما الصواب وما الخطأ لأجابوا بنفس السهولة التي يجيب فيها الوعاظ، ولكن هل يحتاج في تلك اللحظة تلك المواعظ التي يعرفها الجميع؟ بالتأكيد لا .. فهو يحتاج لشخص ما يستمع له وينصت له فقط. لكل مجتمع مصطلح يردده الفرد بعد أن ينصت أو يستمع لشخص ما يتألم، فيقول له: كنت هناك أي عشت هذا الحزن وأفهمك، أو كما يقول الإيطاليون: «اختبرت ذلك على جلدي»، أو أعرف كم أنت تتألم. بيد أنك هنا لن تجد مصطلحا يستعمله الفرد ليؤكد فيه للآخر أنه يتعاطف معه، أو يساعده على قذف حزنه للخارج حتى لا يخنقه، فقط نريد تقديم المواعظ، كذاك الأب الذي قال لولده واعظا : «لا تكذب»، ثم راح يكذب. مرة أخرى .. هل كنتم في لحظة الضعف تلك تبحثون عن شخص يلقي عليكم المواعظ، أم شخص ما ينصت لذاك الحزن، ثم يقول لك وبهدوء: أفهم حزنك .. لقد كنت هناك؟ S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة