عناد الأطفال ظاهرة مزعجة تعانيها بعض الأسر، وتنعكس بشدة بمرور الوقت على تصرفات الطفل في سنوات عمره الأولى، وتظهر هذة الظاهرة في صور متعددة منها إصراره على عدم تناول نوع معين من الطعام، أو تماديه في سلوك خاطئ في سبيل لفت الأنظار إليه، وقد يتخذ العناد في مراحل تطوره أشكالا عدائية، مثل أن يوجه سلوكه العدواني تجاه أشقائه في البيت أو التصرف عكس المطلوب منه، والصياح والبكاء، أو أن يقوم بحركات عشوائية انفعالية، وقد يصمت لفترة طويلة على سبيل الاحتجاج، ويمكن أن يبادر إلى تعمد إيذاء نفسه، كأن يضرب رأسه بعرض الحائط أو يعض أصابعه. تقول هدى أنها تعاني مع ابنتها التي لم تتجاوز الأربع سنوات، فهي تصر على تنفيذ ما تريد، ولا تسمع كلامها، وفي حال نهرتها عن فعل ما تشاء تبدأ بالبكاء الشديد، ولا تتوقف حتى وإن استمرت لساعات إلى أن تنفذ ما تريده. وتضيف خديجة «طفلي في العاشرة من عمره وهو كثير الجدال في كل شيء، لا يترك كلمة إلا ويعلق عليها بشكل عكسي، وهو مستفز بشكل دائم، ولديه رغبة في مخالفة كل النصائح والتعليمات التي يتلقاها مني أو من والده، فمثلا حين ننزل إلى الشارع ونمشي على الرصيف يصمم هو أن يمشي في وسط الطريق، ولا يستجيب لمحاولاتنا ثنيه عن طريقته فهو دائما في حالة تحد وخروج عن الطاعة». وتشدد أماني أن ابنها يفوقهما عنادا فكل المدرسين يشتكون منه، فهو يصر أن يجلس على كرسيه في وضع معكوس بحيث يعطي ظهره للمدرس، ويرفض الإجابة على الأسئلة رغم أنه شديد الذكاء، ويرفض عمل الواجبات المدرسية، وهو فوق ذلك كثير اللوم لمن حوله ويحملهم مسؤولية مشاكله، ويصفهم بأوصاف رديئة ولديه الكثير من مشاعر الغضب والكره والجحود لمن حوله. ويؤكد الدكتور محمد بخاري استشاري نفسي بمستشفى الملك عبد العزيز في مكة، بأن العناد هو سلوك مكتسب، ويعرف بأنه تصرف يقوم به الطفل ناتج عن رؤيته الشخصية للحدث، والذي غالبا ما يتعارض مع تصور الوالدين، وفيه لا يقيم الطفل أي وزن للمنطق أو مناسبة الفعل لرؤية المجتمع وما تعارف عليه أفراده، فقط هي الرغبة في تنفيذ ما يريده إحساسا منه لكيانه ورفعا لتقديره لذاته، ويرى أنه يجب أن لا ننظر للعناد بسلبية مطلقة ولكن من الجيد أن ندرك بأن الطفل والمراهق، قد يصمم ويعمل على النجاح في مثابرة، وقد لا يستمع للناصح من حوله في وجوب التخفيف والرفق بالنفس، لأنه مستغرق في ما يؤمن به ولا ينفك حالما بل ومتعايشا مع صور رسمها وخطط لها ونفذها في مخيلته إثباتا لذاته. ويضيف أن الوالدين الحكيمين هما اللذان يستطيعان أن يستحصلا السلوك الحسن ولا يصطدمان بالطفل والمراهق، عندما يعطيانه ما يستحق من التقدير والاحترام لشخصه وعقله ورأيه ويشركانه في اتخاذ القرارات الخاصة به وكذلك التى تتعلق بالأسرة، ويشجعانه على تحمل مسؤولية ما اتخذه من قرار، وكذلك الوقوف معه تضامنا عند الخطأ. ولفت إلى أنه قد يكون للعناد أسباب مرضية كالاكتئاب النفسي أو القلق أو الخوف كمظهر سلوكي يطغى على المظاهر المرضية المعروفة، مثل ضيق الصدر والحزن والانعزال وقلة الشهية للأكل واضطراب النوم وغيرها كثير، وقد ينتج كرد فعل لاعتداء جسدي أو نفسي أو جنسي، في محاولة للحفاظ على مقدار من الكرامة، وإعادة الإحساس بقيمة شخصية أهدرت جراء ذلك الاعتداء، ويجب أن يستشار الطبيب النفسي في مثل هذة الحالات من العناد لتشخيص السبب، وإعطاء العلاج المناسب سواء كان ذلك العلاج عقارا أو برنامجا سلوكيا هدفه التعديل ما أمكن، واستعادة الانسجام للطفل.