(من جيل الرواد) عبارة نستخدمها للتعبير المقرون بالإطراء والإشادة لمن عمل وأحسن الأداء في عمله خلال فترة زمنية تشكل جزءا من تاريخ البلاد وثقافتها. في هذه الأيام نقول (فلان) كان من جيل الرواد وننطقها بحسرة لشعور كامن بداخلنا أن مثل هذه النوعية من المبدعين لن تتكرر. على صفحات هذه الجريدة استمتعت في الأسابيع الماضية بقراءة لقاءين مطولين مع الزميلين ماجد الشبل وغالب كامل، وهما في نظري يرمزان لجيل من الرواد في الإعلام المرئي والمسموع اختفيا عن الشاشة وابتعدا عن المايكروفون بعد سنوات حافلة بالعطاء والإنتاج المميز. قرأت في اللقاءين لمحات مضيئة من سيرتهما الشخصية وآرائهما، وأعادا إلى الذاكرة كثيرا مما قدما من أعمال إعلامية لا يزال صدى بعضها يتردد في ذاكرتنا إلى اليوم. لقد سعدت بالعمل مع ماجد وغالب فترة تزيد عن العشرين عاما مرت علينا فيها الكثير من المواقف، وعملنا في بيئة ما يسمى (إعلام الأزمات) حين كانت منطقة الخليج تتعرض لأحداث وتطورات سياسية كبيرة. اليوم أقف وأمامي صورة لعدد من الزملاء الشباب الواعدين في مجال التقديم الصوتي والمرئي وأسأل: هل سيتحقق لهم ما تحقق لماجد وغالب وغيرهما من الرواد القدامى من التميز الذي يستحق التقدير والإعجاب والبقاء في الذاكرة طويلا ؟ كلي يقين أن التميز للمذيع ليس بالأمر الصعب، ولكنه يستوجب العمل الدؤوب والإخلاص والالتزام، إضافة إلى الثقافة العامة وسرعة البديهة وحسن التعامل مع الآخرين. لا أذكر أنني صادفت أي إشكالية في تعاملي مع ماجد وغالب، خاصة في احترام الوقت وهو مهم جدا في نشرات الأخبار سواء في الإذاعة أو التلفزيون. في المقابلتين لم يحاول أي من ماجد أو غالب النيل من زميل أو العتب على آخر وكان بإمكانهما ذلك، وهنا يبرز سمو الأخلاق والثقة بالنفس وحسن التعامل. قدم ماجد في لقائه ومضات يمكن لمذيعي اليوم أن يستنيروا بها في حياتهم العملية حين قال: «تريد أن تكون مذيعا اسلك الطريق الصحيح وحسن من أدائك ولغتك، وعليك أن تكون طبيعيا وغير مفتعل، لأن الناس كلها تحس هذه الأمور في المذيع (باللاشعور) فتعرف أنك جيد». كما قدم غالب كامل في لقائه بعض أساسيات مهنه المذيع الناجح حين قال: «من العيب أن يخطئ المذيع في النحو أو أن يخلط بين العامية والفصحى... القدرة على الارتجال هي التي تصنع الفارق وتصنع المذيع المتميز، وهذه القدرة تنمو بالقراءة المستمرة والمتنوعة ومعرفة شيء عن كل شيء» حينما أقدم نموذجين ممن تربع عل كرسي إعلامنا المرئي والمسموع لسنوات طويلة أهمس في أذن كل من انبرى لهذه المهنة من شبابنا اليوم وهم كثر، وأقول لهم: إن الطريق ليس بالسهولة التي تتصورونها، والوصول إلى قمة المجد يتطلب صبرا وعزيمة قوية وحسن استعداد ... لا تنساقوا وراء الأضواء الوقتية المبهرة والتي سرعان ما يخبو نورها ويختفي من كان واقفا تحتها... قفوا تحت نور دائم لا ينطفئ يستمد قوته وطاقته من العمل الدؤوب والثقافة وصقل الموهبة وحسن التعامل مع الآخرين وسيكون التوفيق و الريادة حلفين لكم إن شاء الله. [email protected]