وبما أنني كنت قد تحدثت عن تصريح رئيس المحكمة الجزئية في جدة الشيخ عبد الله العثيم الذي سيصدر أمرا بالتحفظ على أحد إخوة المجرم (م. ع) بالأمس، يمكن لي أن أكمل مع ضلع آخر من مثلث العدالة القائم على «القاضي، المدعي العام، المحامي»، فهذه القضية تكشف لنا أمورا كثيرة تستحق أن نتوقف أمامها ونتأملها، ونتجرد من حب الذات «النرجسية» التي تمنعنا من إصلاح ما يمكن إصلاحه في دواخلنا. فبعد ما قاله رئيس المحكمة خرج محامي الشاب (م. ع) في الإعلام ليؤكد انسحابه من الدفاع عن المتهم أو المجرم إن شئتم، ولم يكتف بانسحابه بل هو أعلن أن جميع المحامين والمستشارين لن يترافعوا عن المجاهر بالمعصية كونه مس سمعة المواطن السعودي، أي أن هذا الشاب أصبح كالرجس الجميع يجتنبه. صحيح أن هذا الشاب أخطأ ويستحق أن يحاكم، لكن ليس لدرجة ألا يوفر له المجتمع محاكمة عادلة، وأعني بالمحاكمة العادلة ألا ينسحب أحد أضلع مثلث العدالة، ويترك للمدعي العام الذي مهمته توقيع أقصى العقوبة، فيما القاضي يرى أن إصدار قرار بالتحفظ على واحد من إخوة الجاني إلى حين مجيئه بنفسه نوع من أنواع العدل. ما يثير الدهشة في هذه القضية أن المحامين لا يفقهون ما هو دورهم كضلع ثالث لتحقيق العدل، ويمكن لهم أن يتخلوا عن دورهم، إما لتقديم أنفسهم على مقصلة الصيت الحسن، وأنهم أنقى وأشرف من أن يترافعوا عن هذا المجرم، أو هم جبناء يخافون المجتمع الغاضب لهذا يتخلون عن دورهم في إقامة العدل. وما يثير الحزن في هذه القضية أنها تذكرني بقضية رئيس العراق صدام حسين، حين أصدر اتحاد المحامين العرب بيانا بأن لديهم 300 محام يريدون الدفاع عن القائد صدام حسين، وحاولوا إثبات أن المحاكمة غير قانونية وأن صدام حسين بريء ولا يحق لأحد محاكمته. وسبب هذا الحزن أن صدام الذي أباد قرية حلبجة «بالكيماوي» ودفن قرية «الدجيل» بالجرارات، وأدخل الشعب العراقي في حروب دمرت اقتصاد البلد، وقتل وشرد أكثر من ستة ملايين عراقي، ومع هذا تكتب قصائد المديح والتمجيد فيه كبطل أسطوري «مع أنه دمر العراق وجعلها جاهزة للاستعمار»، وجد من يتسابق للدفاع عنه «وهذا حق له وإن كان مجرما»، فيما هذا المجرم المسكين الذي لم يفعل ما فعله صدام، الجميع تبرأ منه فقط لأنه ضعيف ولا قوة له. وكل هذا يكشف لمن يريد أن يرى، أن المجتمعات العربية لا تؤمن بالعدل، بقدر ما هي تؤمن وتقدس «القوة»، لهذا تبيح للقوي أن يفعل كل شيء ولا تسائله، وإن جاء من يحاسبه جعلته رمزا وبطلا أسطوريا، فيما الضعيف حين يخطئ خطأ فرديا، يطالب الكثير بتعليقه على المشانق ليكون عبرة للآخرين. أما المحامون فيستغلون هذه الفرصة ليقدموا أنفسهم كنبلاء لا يترافعون عن الضعفاء الحقيرين. !!Article.extended.picture_caption!! S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة