فوجئت وأنا أقرأ رواية برهان العسل للشاعرة السورية سلوى النعيمي، والصادرة عن رياض الريس في بيروت العام الماضي، إنني أمام نص لم يهتم أبدا بتقنيات الحكي، وإيجاد قصة حتى لو كانت قصة عادية، ولكن نصا حشد كل ما هو مثير في ما تناقلته كتب التراث القديم، ليصنع لغة ومشاهد حافلة بالإثارة، ولا شيء آخر. بمعنى أنك لن تعثر أبدا على خيط يشدك أو رسالة أراد أن يبعث بها النص إلى ذهن قارئه. تقول المؤلفة في حوارات شتى أجريت معها، أنها وظفت تراثنا القديم بكل إيجابياته وسلبياته حين كتبت روايتها، وأننا لا يجب أن نخجل من تراثنا، ما دام هو تراثنا، ويجب أن نخرجه إلى العالم متى ماسنحت فرصة بذلك، وبالتالي استندت على ذلك التراث وهي تكتب روايتها. رأيي الشخصي في هذه المسألة، إن توظيف التراث لأي من الشعوب في نص حداثي، مسألة وعرة، وتحتاج إلى وعي ورقيب داخلي من الكاتب نفسه، ولا يعني حشد مشاهد مثيرة، ولغة تعتبر الآن خارج نطاق التعامل، وجارحة للعيون التي تقرأها، توظيفا للتراث، وما دام النص قد عنون بأنه رواية، فيجب أن يكون رواية فيها ما يهم وما يمتع، ولا بأس من بعض الإشارات التراثية، إذا كانت ثمة ضرورة، وأنا كقارئ أولا، يهمني أن أستمتع بقراءة النصوص، وأيضا يهمني أن أخرج من قراءتها، وأنا على يقين بأنها فعلا رواية وشدتني حتى آخر الصفحات. لقد وظف كثيرون التراث العربي القديم، وصاغوا أعمالا كبيرة ومبهرة، منهم جمال الغيطاني، والراحل خيري عبد الجواد، وأثر كتاب ألف ليلة وليلة الشهير، في كتابات كل المبدعين تقريبا، سواء أكان ذلك في عملية الزمن الذي يقود إلى زمن، والحكي الذي يقود إلى حكي، أو اقتباس مشاهد وقصص معينة منه، وتوظيفها حداثيا، إذن هنا ثمة كتاب تراثي قد وظف، ولكن قريبا من متعة القراءة، بعيدا عن الإثارة. لقد نجحت برهان العسل بكل نواقصها الروائية، في الانتشار، وأظنها شقت طريقها إلى الترجمة أيضا، وهي رواية أولى لشاعرة لم تكتب الرواية من قبل، لكن في المقابل لم تحظ بدراسات نقدية، أو موقع كبير في الأدب الجاد، ذلك أنها كتبت ربما لقطاع معين من القراء، يتذوقون مثل هذه الكتابات. أخيرا يبقى سؤال يلح على ذهني بشدة.. ما جدوى أن نعيد كتابة تراث قديم ومهجور بنفس كتابته القديمة، ونورد قصصا في نصوصنا الروائية، ليست من صنعنا ولكن موجودة منذ عهد بعيد، ويمكن الحصول عليها في مصادرها الأصلية.