انتهت فجر اليوم (الثلاثاء)، مهلة انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوبي لبنان، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، لكن هذا الانسحاب لم يكن كاملاً. وفي خطوة تعكس تعقيدات المشهد العسكري والسياسي، أعلن الجيش الإسرائيلي الإبقاء على قواته في خمسة مواقع إستراتيجية على الحدود، ما يكرّس واقعاً ميدانياً جديداً يثير تساؤلات حول مدى التزام إسرائيل بالاتفاق، واحتمالات التصعيد مستقبلاً. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال إن قواته ستواصل فرض سيطرتها بقوة على هذه النقاط، متذرعًا بمواجهة أي تهديد محتمل من حزب الله، فيما شدد على ضرورة انسحاب الحزب خلف نهر الليطاني وتجريد سلاحه تحت إشراف آلية دولية بقيادة الولاياتالمتحدة. وفي أول تعليق على عملية الانسحاب وبعد اجتماع ثلاثي ضم الرؤساء جوزيف عون ونواف سلام ونبيه بري، أكدوا في بيان مشترك الموقف الوطني الموحد للدولة اللبنانية، مشددين على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانيةالمحتلة التزاما بالمواثيق الدولية وبقرارات الأممالمتحدة وفي مقدمها القرار 1701. وجدد البيان تأكيد التزام لبنان الكامل بهذا القرار بكامل مندرجاته وبلا أي استثناء، في وقت يواصل فيه الجانب الإسرائيلي انتهاكاته المتكررة له وتجاوزه لبنوده. وشدد المجتمعون على دور الجيش اللبناني واستعداده التام وجهوزيته الكاملة لاستلام مهماته كافة على الحدود الدولية المعترف بها بما يحفظ السيادة الوطنية ويحمي أبناء الجنوب اللبنانيين ويضمن أمنهم واستقرارهم. وذكر المجتمعون بالبيان المشترك الصادر عن رئيسي كل من الولاياتالمتحدة وفرنسا عشية إعلان وقف الأعمال العدائية والالتزامات ذات الصلة بشأن تعزيز الترتيبات الأمنية وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 في 26 نوفمبر 2024. وبناء عليه، وإذا استمرّت إسرائيل في تنصلها من التزاماتها وتعنتها في نكثها بالتعهدات الدولية يعلن المجتمعون ما يلي: أولا: التوجه إلى مجلس الأمن الذي أقر القرار 1701 لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات الإسرائيلية وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري حتى الحدود الدولية وفقا لما يقتضيه القرار الأممي كما الإعلان ذات الصلة. ثانيا: اعتبار استمرار الوجود الإسرائيلي في أي شبر من الأراضي اللبنانية احتلالا مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج قانونية وفق الشرعية الدولية. ثالثا: استكمال العمل والمطالبة عبر اللجنة التقنية العسكرية للبنان والآلية الثلاثية التي نص عليها إعلان 27-02-2024 من أجل تطبيق الإعلان كاملا. رابعا: متابعة التفاوض مع لجنة المراقبة الدولية والصليب الأحمر الدولي من أجل تحرير الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل. وجدد المجتمعون على تمسك الدولة اللبنانية بحقوقها الوطنية كاملة وسيادتها على كامل أراضيها والتأكيد أيضا على حق لبنان باعتماد كل الوسائل لانسحاب العدو الإسرائيلي. ميدانياً، كثف الجيش اللبناني انتشاره في مختلف المناطق المحررة، مدعومًا بتنسيق مع اللجنة الخماسية وقوة الأممالمتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل). ومع بدء إزالة العوائق الهندسية والتعامل مع الذخائر غير المنفجرة، عاد عدد كبير من الأهالي إلى قراهم التي غادروها قسرًا، مشيًا على الأقدام أو على متن دراجاتهم النارية، في مشهد يعكس مزيجًا من الفرح الحذر والمخاوف من احتمالات عدم الاستقرار. يذكر أن عملية الانسحاب الإسرائيلي المشروطة صباحاً أعادت إلى الأذهان تجارب الانسحاب الإسرائيلي السابقة، حيث لم يكن التراجع الكامل خياراً إسرائيلياً، بل ظل مشروطاً باعتبارات أمنية وإستراتيجية. فهل يشكل هذا الوجود العسكري المحدود مقدمة لمرحلة جديدة من التوترات، أم أنه خطوة تكتيكية في سياق تفاهمات دولية أوسع؟.