في خضم الاهتمام الواسع، هذه الأيام، بالانتخابات الرئاسية الأمريكية يغيب عن الكثيرين أنه تُجرى في نفس اليوم، انتخابات تشريعية لشغل مقاعد الكونغرس، بغرفتيه (مجلس النواب 435 مقعداً وثلث مجلس الشيوخ 100 مقعد). ثم على مستوى المحليات تُجرى في نفس اليوم أيضاً انتخابات لحكام بعض الولايات ومجالسها التشريعية وعمدها الذين جميعهم ينتخبون لإدارة شؤون الولايات والمحليات والبلديات، بطول البلاد وعرضها. لكن على مستوى الحكومة الفيدرالية المركزية في واشنطن، تجُرى انتخابات تشريعية لشغل 535 مقعداً (435 نائباً في مجلس النواب يخدمون لمدة سنتين.. وثلث مجلس الشيوخ الذين ينتخبون لشغل مقاعد مجلس الشيوخ، لست سنوات). انتخابات الكونغرس لا تقل أهمية عن الانتخابات الرئاسية، بل تكون أحياناً أهم من انتخابات الرئاسة، حيث يتصارع الحزبان الكبيران للحصول على الأغلبية في أحد المجلسين.. أو في كليهما. كلتا المؤسستين السياسيتين (الرئاسة والكونغرس) تشكّلان مع المحكمة الدستورية العليا (الحكومة الأمريكية). عندما نتحدث عن الحكومة الأمريكية فإننا نقصد السلطات الثلاث الرئاسة والكونغرس والمحكمة الدستورية العليا.. وليس السلطة التنفيذية وحدها (البيت الأبيض). خطأ ترتكبه عادةً وسائل الإعلام. الصحيح أن نقول: إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية، وليس حكومة الرئيس بايدن الديمقراطية. عادةً: الانتخابات التشريعية لا يعيرها الإعلام اهتماماً كذلك الذي يعيره للانتخابات الرئاسية. يوم الثلاثاء القادم يذهب الناخب الأمريكي لانتخاب رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى انتخاب أعضاء السلطة التشريعية (الكونغرس بغرفتيه مجلس النواب جميع أعضائه 435 نائباً وثلث ومجلس الشيوخ 33 نائباً). الدستور الأمريكي كان يهدف إلى إيجاد حكومة ضعيفة لا تتغول على حقوق الأفراد وحرياتهم، فأوجدوا صيغة للفصل بين السلطات، حتى يتم اقتسام السلطة بين مؤسسات سياسية متصارعة، كل واحدة منها تذود عن حماها في «كعكة» السلطة، بعيداً عن حمى السلطة أو السلطات الأخرى، بإعطاء كل سلطة حق الرقابة على سلوك السلطات الأخرى، لمنع التدخل في حمى نصيبها من سلطة الحكومة. مجلس النواب مهم جداً لإدارة وحكم البلاد. أهم سلطات الكونغرس سن القوانين والرقابة على السلطات الأخرى، بالذات التنفيذية. إلا أن أهم الأسلحة في ترسانة مجلس النواب السياسية (السيطرة على موارد الدولة المالية: جمعاً وإنفاقاً. تقريباً: لا يمكن دخول سنت واحد لخزينة الدولة، ولا صرفه، إلا بموافقة مجلس النواب. السلطة التنفيذية (البيت الأبيض)، على سبيل المثال: لا تتمكن من تفعيل بنود الميزانية العامة للدولة، إلا بموافقة مجلس النواب، بدايةً. يحتدم الصراع بين الإدارة والمجلس، عندما تختلف السيطرة على كل منهما، من حزب لآخر. على سبيل المثال: في حالة أن يكون لدينا رئيس ديمقراطي، تتعقد برامجه السياسية أكثر بوجود مجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون. الإدارات الديمقراطية، معروفٌ عنها الميل للإنفاق باتساع نطاق تدخلها في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، بينما الجمهوريون يميلون إلى الحد من تدخل الدولة في العملية الاقتصادية، فيبدون مقترين أكثر في صرف موارد على الخدمات الاجتماعية، مثل التعليم والتأمين الصحي والإنفاق على الخدمات البلدية والرعاية الاجتماعية. هناك وظيفة خطيرة، تطال استقرار النظام السياسي الأمريكي. مجلس النواب من حقه عزل الرئيس أو أي ذي منصب رفيع في الإدارة، وإن كان هذا الإجراء لا يُفعّل إلا بموافقة مجلس الشيوخ. لكن أخطر مهام مجلس النواب هو اختيار رئيس الجمهورية، في حالة عدم حصول أي مرشح رئاسي للأغلبية المطلقة 270 صوتاً انتخابياً. ففي حالة تفتيت أصوات الناخبين بين عدد أكبر من المرشحين، يتدخل مجلس النواب لاختيار الرئيس القادم. في النظام الرئاسي الأمريكي، لا يمكن تصور حكومة ائتلافية، مثل ما هو الحال في النظام البرلماني. وإذا ما عرفنا أن التصويت في غرفتي الكونغرس، كثيراً ما يجري على أسس حزبية، فلمن إذن يصوّت مجلس النواب الجمهوري، في حالة الانتخابات القادمة، طبعاً: للرئيس ترمب. على أي حال، وظيفة اختيار رئيس الجمهورية هذه من قبل مجلس النواب حالة افتراضية لم تحدث من قبل. لكن في حال اتساع دائرة الاستقطاب الحالية، تعتبر الحالة الافتراضية هذه محتملة. على أي حال: ما يدعم استقرار النظام الرئاسي الأمريكي قوة ومتانة تماسك نظام الحزبين وهذا ما يميّز ويفسر أساساً حالة الاستقرار «المستدام» للنظام الرئاسي، مقارنةً بالنظام البرلماني. باختصار: الانتخابات التشريعية لأعضاء الكونغرس، لا تقل أهمية عن انتخابات الرئاسة، لأن الحكومة الأمريكية لا تطير إلا بجناحيها الرئاسي والتشريعي. مع ذلك، في المقابل: هناك تركيز إعلامي وسياسي وحتى جماهيري، على الانتخابات الرئاسية، مع ما يشبه التجاهل للانتخابات التشريعية.