يألف الناس بجبلتهم من ينصت للكلمة، ويتغاضى عن الهفوة، ويتصدى للأزمة ولا يترصد للزلة، يعرف متى ينطق ليقنع، وفي أي موضع يصمت ليزن الموضع على ميكال الحق؛ لضمان عدم رجحان نظرٍ على آخر. تلك هي سِمات أصحاب القلوب الرفيعة، والنفوس الزكية هم أندر البشر وأثمن المعادن، من اصطفاهم الله بعلامات النقاء، على رسم ابتسامة أو هيئة وبشاشة، أو تفاصيل دقيقة كموقف لا يتكرر أو خبيئة لا يعلمها أحد، هم جِنان الأرض، وجمال الدُنيا ورونقها، من خلقهم الله لنشرِ السعادة بطيب نواياهم، أبقاهم الله وزادهم. فمن جُبِلَ «فطرةً» بذلك لقي التقدير والاعتبار، بالرغم من استحالة ذلك دون خلل كطبيعة بشرية، ولكن العيب ليس التنصل من محاولة التطبّع وإنما في من انتحل طباع السمو وهو في دون، بعد ظنيّة «معرفة المخالف» وهو بذلك سيعرف فعلًا ولكن بالهوان. تلعب عدة عوامل دوراً صميماً في تشكّل الشخصية الظاهرة للأفراد والمجتمعات منها المذهبية والتربوية والمناطقية؛ ولكن حينما ينفرد الشخص مع ذاته لا بد أن يركز بحواسه على حتمية نهاية معترك الحياة في «أي لحظة» دون تحديد، حينها لن ينفعه إلا من «شهد له الخلق في الأرض» بلُب ما سرد وفنّد وتقدّم. بها يلمس المرء المرونة في نظرته، والتوفيق في قراره، والبركة في نفاذه، من تقرب إلى ربّه بفعل الخير ولو قلّ أسعد وسعد، فرّج وفرّج الله له، فلح بالدنيا ولن يخذله الله أبداً بالآخرة.