قبل أشهر ذكرت في إحدى مقالاتي بصحيفة عكاظ أن نتنياهو يقود العالم لحرب عالمية ثالثة، وفي مقالتي التي حملت نفس العنوان لم أكن مبالغاً في توقعاتي؛ والسبب في ذلك أن سقوط عشرات بل ومئات الضحايا من الفلسطينيين يومياً يعد استفزازاً علنياً لمشاعر المسلمين في كل مكان وليس داخل نطاق دول المنطقة فقط، وهو ما يمهد لاندلاع حرب إقليمية نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية الدموية بحق هؤلاء المدنيين العزل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإسرائيل منذ قرابة عشرة أشهر تدك القرى الفلسطينية في ظل تخاذل عالمي من شأنه تأجيج مشاعر شعوب المنطقة. في واقع الأمر لم تكن إسرائيل لتجرؤ على فعل ذلك لولا حصولها على دعم منقطع النظير من الإدارة الأمريكية، ولا تبالي إسرائيل كثيراً بمن هو الرئيس الأمريكي القادم لإدراكها أن وجودها في المنطقة يصب في مصلحة الولاياتالمتحدة أكثر من كونه أمراً يفيد إسرائيل نفسها، فإسرائيل هي الذراع الضارب للولايات المتحدة، والذي يخدم مصالحها بسبب موقعها الإستراتيجي الذي يربط الشرق بالغرب، والقريب من الدب الروسي الذي قد يحول دون تمدده، والذي تخشى الولاياتالمتحدة نفوذه في المنطقة. يبدو أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للولايات المتحدة مؤخراً أثمرت عن حصوله على ضوء أخضر لشن حرب شاملة على الساحة اللبنانية، وعلى الرغم من التصريحات المبهمة للرئيس بايدن ونائبته بضرورة إيقاف الحرب، إلا أنها فعلياً لا تدل إطلاقاً على رغبة الولاياتالمتحدة في إيقاف نزيف الدم الذي يتجدد يومياً، ولا شك أن كافة المؤشرات تدل على أن إسرائيل تريد تصعيد الأحداث وخاصة بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما فعلته من قبل حينما استهدفت السفارة الإيرانية في دمشق، ومع توعد إيران بالرد سيزداد الوضع تعقداً بشكل كبير مما يعني أن كافة الاحتمالات واردة. قبل أيام صرح الرئيس التركي أردوغان أن تركيا -وهي العضو في حلف شمال الأطلسي- لا يمكنها السكوت على ما يجري للفلسطينيين، وأنها قادرة على الدخول لإسرائيل كما تدخلت في بعض الدول العربية، وعلى الرغم من عدم اكتراث بعض المحللين بتصريحات الرئيس التركي، إلا أنها إشارة إلى درجة الاحتقان التي بلغت أوجها في بعض دول المنطقة، بسبب التعدي الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية وبعض دول الجوار. إسرائيل التي خاضت قرابة عشرة أشهر في حربها ضد غزة فشلت في تحرير كامل الأسرى، ومن المؤكد أن اندلاع حرب إقليمية ستكون أبعد مدى من حروب الكر والفر التي يمارسها الجيش الإسرائيلي مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فاتساع رقعة الصراع لخارج الأراضي الفلسطينية سيتسبّب في دخول قوى أخرى في خط المواجهة، وعندها ستجد إسرائيل نفسها والمنطقة بأكملها في صراع قد يمتد لسنوات، تتدخل فيها قوى عظمى كل منها يتحرك في إطار تحالفاته مع دول المنطقة، فقبل أيام صرح وزير الدفاع الأمريكي أن الولاياتالمتحدة ستدافع عن إسرائيل إذا تعرضت لأي هجوم، وهي إشارة الهدف منها الرد على تصريحات الرئيس التركي الأخيرة، وبغض النظر عن تدخل فعلي لأي طرف فإن تصريح وزير الدفاع الأمريكي يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لتستمر في نهجها العدواني في المنطقة. منذ السابع من أكتوبر الماضي يحاول حزب الله توسيع رقعة الحرب لتمتد خارج الأراضي الفلسطينية، ومن المؤكد أن حزب الله يقوم بتنفيذ أجندة خارجية لطرف يهمه أن تظل هذه الحرب مستعرة لأطول فترة ممكنة، فحزب الله والحوثيون يريدون أن تنخرط دول أخرى في المواجهة مع إسرائيل، ولعل عملية مجدل شمس الأخيرة التي ضربت الجولان المحتلة هي محاولة لاستدراج سوريا في هذه الحرب، حتى لو كان الأبرياء ثمناً لحماقات حزب الله والحوثيين، فالغاية -لكلا الطرفين- تبرر الوسيلة، والمتتبع لبعض الصحف العالمية يجد توقعات الكثير من المحللين بأن تمدد الصراع لا يصب في صالح المنطقة وقد تمتد آثاره المدمرة لأجيال قادمة. لعقود طويلة ظلت المنطقة في حالة صراع دائم تنفخ فيه قوى إقليمية وخارجية لتأجيجه مما تسبب في هدر موارد بعض دولها، وفي حال اندلاع حرب ستجد بعض الدول نفسها مضطرة للدفاع عن سيادتها حتى لا يتم استخدام أراضيها ومجالها الجوي في حروب بين أطراف متعددة، ستكون هي المستفيدة من تدمير المنطقة وهدر مواردها الاقتصادية والبشرية، والحكمة تقتضي إعمال العقل والحكمة في التعامل مع أي صراعات في المنطقة بدلاً من تأجيجها.