قبل سبعين سنة، زار الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود اليمنَ تلبيةً لدعوة نظيره اليمني الإمام أحمد حميدالدين، من 18 – 21 يوليو (تموز) 1954م، بعد ثمانية شهور من توليه العرش (نوفمبر -تشرين ثاني- 1953م) خلفاً لأبيه الراحل الملك عبدالعزيز. وانتقل الإمام أحمد من مقر حكمه مدينة «تعز» العاصمة الثانية إلى العاصمة صنعاء التي هجرها «لبردها» عقب استعادة عرش والده القتيل الإمام يحيى (مارس -أذار- 1948م)، فدخلها مرتين: الأولى واقفاً لاستقبال نظيره الملك السعودي الوحيد الزائر لليمن، والأخيرة جثة هامدة ليوارى الثرى (20 سبتمبر -أيلول- 1962م). بيان الزيارة وصف اجتماع العاهلين وسط «جو مفعم بروح الإخاء».. فيما توتر جو الأسرة اليمنية الحاكمة عقب دعوة «ولاية العهد» للأمير محمد البدر بن الإمام، التي أثارت اعتراض بعض عمومته الطامحين فيها. حاول العاهل السعودي وأد النزاع في مهده بعقد «محادثات مغلقة بين الملكين» حسب صحف مصرية، والاجتماع بمعارضي «ولاية العهد». (تجدون مجمل هذه البلاغات الرسمية منشورة في كتاب سعود واليمن الصادر عن جداول 2020م). طويت صفحة التوتر مؤقتاً، بزيارة الملك سعود التي طورت علاقة البلدين إلى مستوىً يمنع إمداد أي خارجٍ على السلطة الشرعية. صرح الملك سعود عما لمسه في غضون زيارته من «التفاف القلوب حول الإمام أحمد واجتماع كلمة الأسرة والشعب اليماني حول صاحب العرش...»؛ بيد أن «التفاف القلوب.. واجتماع كلمة الأسرة والشعب..» لم يدوما طويلاً. كثر احتجاب ومرض الإمام، حسب بيان أخيه عبدالله مَن تولى الإمامة أسبوعاً واحداً بانقلاب آخِر مارس (أذار) 1955م. وبطلبِ اليمنيين، عاود الملك سعود مسعاه لوقف تداعيات الموقف. اتضح للعالمين أن «السعودية أكثر الدول العربية اهتماماً بما يجري داخل اليمن، بحكم الجوار والاتصال، وتشابه الأحوال الأساسية» وفق افتتاحية جريدة «الحياة» بقلم كامل مروة الذي أضاف «إننا نخدع أنفسنا إذا ظننا أن الاستقرار ممكن في هذه الدولة التائهة، لأنها لا تملك من مقوماته شيئاً» واصفاً كيف «كان القرن العاشر سائداً على تعز وصنعاء في منتصف القرن العشرين». في افتتاحيته «لماذا لا تتحد السعودية مع اليمن» في أبريل (نيسان) 1955م، اقترح الشهيد مروة «إنشاء نوع من الاتحاد في الشؤون الاقتصادية والمالية والعسكرية، فقد يكون ذلك خير ضمانة للاستقرار في اليمن». ما كان، وليس من السهولة بمكان، انتظام ذاك الاتحاد بينما شبح الاضطرابات والتشققات السياسية يغشى الأفق اليمني بفعل عوامل داخلية صرفة تتعلق بطبيعة وإدارة البيئة الجاذبة للفوضى والطاردة للنظام؛ وفضلاً عن اعتدادٍ ب«استقلالٍ أجوف» وُصِف به عهدُ الأئمة، ثمة «رواسبُ ماضٍ متخلفٍ في نفوسهم..» و«شعورٌ مركوم..» تجاه محيطهم، طبقاً لأحد تقارير الأحرار اليمنيين 1954م. هذه العوامل مجتمعةً جعلت الإمام أحمد خلال تلك الزيارة التاريخية يتظاهر «بالعزم على النهوض بالبلد والقيام بالمشاريع العلمية والعمرانية والاقتصادية، وفتح الأبواب لرؤوس الأموال الأجنبية لاستثمار الثروات الطبيعية للتمكن من السير في ركاب الأمم التي تسير قدماً في مضمار الحياة» حسب تصريح نظيره السعودي؛ لكن شيئاً كبيراً لم يحدث. عندئذٍ صدرت رسالة الملك سعود: «إن استمرار الأحوال في اليمن على وضعها الحالي لا يمكن أن يرضى عنه أي أحد». أحوال اليمن لا تستمر على وضعها أبداً، إذ تمضي قدماً في مضمار التحولات من طور إلى طور. ويبقى جواره السعودي يمد يد العون والخير لتنميةِ وإعمار اليمن على «أساس الوفاق بين البلدين المتجاورين والشعبين المتآخيين» حرصاً على «رفعتهما وصلاحهما» معاً، مهما حدث وقيل.. وكم قد حدث وقيل، ولا يزال بعد سبعين سنة.