في ال 24 من ذي القعدة الماضي حلّت ذكرى رحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، أبرز أوائل المسؤولين القياديين بالمملكة العربية السعودية، المعنيين بالشأن اليمني من بواكير شبابه.. يوم هاجت أعاصير اليمن، حتى غادر الدنيا وقد حل الربيع العربي أو الجحيم العربي.. وها هي اليوم علاقات البلدين الشقيقين: الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية، بعد رحيله تدخل طوراً جديداً من أطوارها المثيرة لعواصف الحزم وإعادة الأمل في ظل قيادة شقيقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وتوجيههما مساعي نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان المسؤول عن الملف اليمني، لدحر الغدرين «الإيراني» و«الإخواني» وتحديداً من ينساق معهما خلال زمن عق فيه «أبناءٌ» تراث «آباءهم» ناقضين مواثيق إخاء مصاغة ومصانة من الآباء. بيد أن «قَدَر السعودية اليمني» وحِلم الكبار حقاً وقودٌ لا ينضب لجهود متواصلة ومتجددة لتوطيد علاقات البلدين والشعبين لا يثنيها نكرانٌ وحزازات هنا وإحنٌ وضوضاء هناك. وهنا تنثر مناسبة ذكرى «سلطان الخير» نزراً يسيراً من الرصيد والمآثر السعودية التي تجسدت فيما مضى ولا يغفل عنها المعنيون باليمن أبداً.. بل ويمضي أولو العزم والحزم يضيفون إلى هذا الرصيد ما يضاعفه ولا يضعفه. فلا غرابة أن تكون إدارة الأمير سلطان للملف اليمني وتشابك العلاقات سبباً في تتالي برقيات العزاء من الفرقاء السياسيين مجمعةً على صفة «الأخ والصديق الكريم».. فلكرمه دور كبير في إثبات نصيبه الفعلي من اسمه «سلطان»، إثر إنفاذ سلطانه إلى قلوب من ارتبط به وتعامل معه من اليمنيين و.. غيرهم. غير أن ارتباطه باليمن وقضاياه وشؤونه منذ عام 1962م أثراه خبرةً تضاعفت على ما ورث عن أبيه الملك المؤسس واكتسبه منه، حينما باشر مهامه منذ توليه المسؤوليات الإدارية أميراً لمنطقة الرياض ثم وزيراً للمواصلات قبيل تعيينه وزيراً للدفاع والطيران في حكومة الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود المشكلة في أواسط أكتوبر 1962م إثر اندلاع الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962م، ولجوء الجانب الملكي اليمني إلى المملكة السعودية التي شكلت برئاسة وزير الدفاع الجديد الأمير سلطان «اللجنة الخاصة ب(الجار اليمني)» بجانب كيفية التصدي لأي اعتداء على حدود بلاده من أي جانب جنوباً أو غير ذلك الاتجاه، فبدأ -حسب نجله الأمير خالد بن سلطان في «مقاتل من الصحراء»- تولي مهام حماية الأسرة والمملكة من الأخطار والمهددات المحدقة به، وتحديث الجيش وتأسيس سلاح الطيران لحماية أجواء المملكة.. فكان ميلاد الجمهورية في اليمن ميلاداً للكامن من قدرات سلطان التي زادت في إنفاذ سلطانه في السعودية ومنها إلى خارجها. لقد أشركت المسؤولية عن الملف اليمني الأمير سلطان في أهم الاجتماعات العربية المشتركة بين مصر والسعودية والقمم العربية التي تناول باطنها الشأن اليمني.. وأولاها القمة العربية في القاهرة يناير 1964م بحضوره مرافقاً للملك سعود بن عبدالعزيز، بعد الاستجابة عام 1963م لمساعي تنفيذ اتفاق الانفكاك أو فك الارتباط بين السعودية ومصر الذي رعته الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم اتفاق الإسكندرية 1964م، وأخيراً اتفاقية جدة الثالث الأخير من أغسطس 1965م بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل، بعد ميثاق السلام اليمني المبرم في الطائف منتصف أغسطس 1965م باجتماع الجمهوريين والملكيين في الطائف مع الفيصل. تلت تلك القمم العربية بمصر والمغرب، واليمنية بالسعودية، لقاء الخرطوم الشهير في أغسطس 1967م بين الملك فيصل والرئيس عبدالناصر إثر نكسة حزيران 1967م، وهو اللقاء الذي تسجل فيه صورة عبدالناصر وهو يرحب بالأمير سلطان في غرفة الاجتماع كأنه يدعوه لتسلم الملف من الجانب المصري خلال ذاك الاجتماع إيذاناً بانتهاء مرحلة و.. بدء حقبة. لكن الاتصالات والاتفاقيات بين طرفي «الحرب العربية الباردة»، تخللتها، بل وزادت في ربطها، اللقاءات اليمنية السعودية المباشرة وغير المباشرة وبدء مراسلات وجهود السلام من جانب اليمنيين أكان من مؤتمر السلام اليمني بخمر مايو 65م أو لقاء الطائف أغسطس 65م، فزيارات الوفود الشعبية من مشايخ ومدنيين بصفتهم الجمهورية المستقلة كالشيخ سنان أبو لحوم وعلي بن ناجي القوسي وإبراهيم علي الوزير وغيرهم، والتقاء شخصيات سياسية يمنية معتدلة كمحمد أحمد نعمان ومحمد الفسيل ومحمد الرعدي وحسين المقدمي بالمسؤولين السعوديين وخاصة الأمير سلطان بتنوع انطباعاتهم عنه إزاء أشكال التعبير الودي والتكريم لشخوصهم وفق انطباعاته عنهم وتقدير معاونيه باللجنة الخاصة، كما سعى اليمنيون للقاء ممثلي الحكومة السعودية في سفارات المملكة بالخارج لعرض مشاريع المصالحة الوطنية والتفاهم اليمني السعودي بعيداً عن أي مؤثرات مرفوضة، لا سيما بعد خروج القوات المصرية وفك اليمنيين للحصار الملكي على عاصمة جمهوريتهم لسبعين يوماً من ديسمبر 1967- فبراير 1968م، ليتلقى منذ ذلك الحين إلى قمة الرباط ديسمبر 1969م رسائل الوفد الجمهوري اليمني وإشارات الوسطاء العرب كويتيين ومصريين وغيرهم من الجنسيات بتحقق «السعد واليُمن» في تفاهم مباشر تعبر به الذاتية اليمنية عن نفسها وتبرز قدرتها على تبديد أي مخاوف تقطن المنطقة، وفق رواية اللواء حسين المسوري في كتاب «أوراق من ذكرياتي». وتبدأ «الحقبة السعودية» في اليمن، ورمزها المباشر سلطان بن عبدالعزيز، بتدشين اتصالات مباشرة مع مشايخ اليمن الجمهوريين كالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس المجلس الوطني يومذاك، الذي حكى في مذكراته أنه في بيروت آخر أيام المواجهات الملكية الجمهورية أول العام 1970م بواسطة الأستاذين الأحمدين الشامي والنعمان التقى بالملحق العسكري السعودي بلبنان علي الشاعر (وزير الإعلام في ما بعد) ووصل الخط المباشر بينه وبين الأمير سلطان، الذي رأى في التعامل المباشر مع الجمهوريين خيراً من استمرار التعامل مع الملكيين وأنصارهم الذين تطاول منهم من تطاول، وأطال أمد الصراع دون أي أثر يذكر، فتوافرت نوايا إنهائه وإخماد نيرانه لدى الجانبين اليمني بجمهورييه وملكييه، والسعودي. ويسّر انعقاد المؤتمر الإسلامي بجدة في مارس 1970م ودعوة المملكة للجمهورية العربية اليمنية إلى المشاركة في أعماله وترحيب الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني وتشجيعه لأعضاء الوفد على الانضمام إليه، في فتح قنوات اتصال مباشر بين الحكومتين السعودية واليمنية لطي صفحة الصراع اليمني – اليمني من الملف المفتوح في السعودية، برعاية حكومتها وممثلها المسؤول عن الملف الأمير سلطان الذي احتضن لقاء رئيس الوزراء الجمهوري محسن العيني ووزير خارجية الملكيين أحمد الشامي وبارك اتفاقهما على التسوية السياسية رغم اعتراض رموز أسرة حميدالدين عليها لما فيها من إجحاف بحقهم في العودة لحكم اليمن، إلا أن الأمير سلطان شدد على أهمية إنجاز الاتفاق ولو بخروج الأسرة الحميدية، وذلك ما يتيح اعتبار أسرة حميد الدين كأبناء الملك عبدالعزيز آل سعود -حد تعبيره المسجل في رسالة القاضي عبدالله الحجري إلى الشيخ الأحمر- لدى تهدئته لخواطر المتشددين منهم ممن ظلوا موضع رعايته الشخصية ورعاية الحكومة السعودية ككل منذ الاتفاق في مارس 1970م على إتمام المصالحة الوطنية في مايو 1970م والاعتراف بالجمهورية في يوليو 1970م. باشر الأمير سلطان من يومها، في الجانب العسكري رسمياً، اتصاله بالمسؤولين العسكريين اليمنيين كالفريق حسن العمري عضو المجلس الجمهوري والقائد العام للقوات المسلحة، والعقيد حسين المسوري رئيس هيئة الأركان، ويزود الجيش اليمني بالاحتياجات المطلوبة والواردة رسمياً في ثنايا الزيارات العسكرية اليمنية منذ يناير 1971م. ومن موقع مسؤوليته الرسمية عن الملف اليمني، تصدر أهم المباحثات مع رؤساء الحكومات اليمنية كالقاضي عبدالله الحجري في مارس 1973م بشأن تثبيت الحدود المشتركة وفق ما حددته معاهدة الطائف المبرمة عام 1934م بشكل نهائي ودائم دون تجاوز لها، حسبما هدف أعضاء الجانب اليمني المشاركين في المباحثات.. وكذا التباحث مع الدكتور حسن مكي في مايو 1974م لجلب معونات السعودية للحكومة اليمنية لتنفيذ مشاريعها الاقتصادية، وتحديداً إعادة تدفق دعم الموازنة المقر منذ عام 1971 – 1972م في آخر حكومة للأستاذ محسن العيني في عهد الرئيس الإرياني. وإذ تموج التيارات السياسية في اليمن، وتجد متنفساً لإثبات وجودها المثير لحساسيات محلية وخارجية، تخوض صراعاً مع الوجاهات التقليدية اليمنية أسفر عن الإطاحة بالرئيس الإرياني وصعود العقيد إبراهيم الحمدي لرئاسة الدولة في 13 يونيو 1974م، ويستمر الحرص اليمني على توطيد العلاقات مع المملكة وتعبر عنه زيارات وفود برئاسة الحمدي وابتعاثه مسؤولين من صلب الحركة ليلقوا ترحيباً سعودياً بالرئيس الجديد بفعل المعرفة المسبقة والالتقاء المبكر معه حول تنقية الساحة من أسباب أي توتر في العلاقات أكانت حزبية مستوردة كتلك التي تبدي تبرماً من صفو العلاقات بين البلدين أو محلية لم تخلص من أسر الحزازات المضرة، والتي تبنى الرئيس الحمدي وهو نائب للقائد العام حسماً محموداً تجاهها لدى الجانب السعودي، كما أوضح سنان أبو لحوم في الجزء الثاني من مذكراته «اليمن حقائق ووثائق عشتها»، عن تفاصيل لقائه بالأمير سلطان في يوميات شهر يونيو 1973م. وفي فترة الرئيس الحمدي والملك خالد بن عبدالعزيز، ترأس الأمير سلطان بن عبدالعزيز الجانب السعودي في مجلس التنسيق السعودي اليمني الذي تأسس خلال زيارة رئيس الوزراء عبدالعزيز عبدالغني في أغسطس 1975م تحقيقاً لفكرة وزير الخارجية الأسبق عبدالله الأصنج، ويتمخض عن أول اجتماع لذلك المجلس في جدة دعم سخي قدرته بعض المصادر بمليار ريال بغية إنجاز عددٍ من المشاريع التنموية التي حمل جدولها الوفد اليمني يومذاك. وتطورت علاقات البلدين ببلوغها ذلك المستوى العصري عبر التنسيق المشترك لمشاريع تنموية اقتصادية وبنى تحتية تمت جدولتها يمنياً لتخصيص الدعم اللازم لها سعودياً عبر رئيس الجانب السعودي الأمير سلطان الذي يرد الزيارة للجانب اليمني في أبريل 1976م بعقد الاجتماع الثاني للمجلس وسط العاصمة صنعاء، وتبدأ سلسلة زياراته ل«بلده الثاني» حسب خطاباته، ويلقى استقبالاً رفيع المستوى رسمياً وشعبياً.. مما يذكر بقول بعض عارفيه عنه وعن ابتسامته الموصوفة «بجواز مرور إلى مختلف المواطن التي تتجاوز لدى زيارته لها كل بروتوكول فتعامله كملك غير متوج، وسلطان بغير بيعة». وعلى نحو مغاير لما ظلت تروجه ماكينات إعلامية ورسخته حزازات قديمة بتصويره وبلاده كمضاد لاستقرار اليمن.. وفي سياق سرد اليوميات والوثائق خلال عهد الرئيس الحمدي، يمر كتاب «اليمن حقائق ووثائق عشتها ج 3.. سنان أبو لحوم» بجملة أحداث داخلية في خضمها المواجهات المباشرة بين سلطات الدولة ومشايخ القبائل آخر عهده، ودور المملكة والاتصالات القبلية مع أمير.. أو «سلطان الملف اليمني».. لكسب تأييده لموقف المشايخ الذين يشكون ما يقابلون في المملكة من موقف «غامض ومحير»، «لصالح إبراهيم»، «ممن بعضهم متقيد بنهج دولته». ثم يَرِد الردُ من الأمير سلطان «على حسن الثقة بدور المملكة بمعالجة وتسوية الخلافات القائمة»، وبما له من سلطان في النفوس، عدّه بعض المشايخ «ضغطاً وفرضاً»، فنصحت رسالتاه إلى الشيخين الأحمر ومجاهد أبو شوارب، بالاتفاق والتفاهم وتصفية الجو مع الرئيس الحمدي «لخدمة اليمن الشقيق يمن الغد ويمن المستقبل الذي نتمنى له جميعاً الاستقرار ثم التطور والازدهار لما فيه مصلحة شعبه الشقيق».. حتى «لا يفلت زمام الأمور من يدنا ويدكم، ثم يتعرض اليمن إلى ما لا تحمد عقباه وهذا لا يتمناه لليمن إلا حاقد أو عدو يتربص بالفرص المناسبة لأحقاده وعدوانه».. «أما من جانبنا فإننا سنعمل للقيام بواجبنا نحو اليمن الشقيق من مشاريع وشق طرق وفتح مستشفيات ومدارس وكل مشاريع الخير لليمن، ولن يتسنى لنا هذا العمل إلا في يمن مستقر ومتطلع إلى الازدهار والتطوير في جو تسوده المحبة..». ذاك شأنه في الشمال اليمني الذي دفع الحكومة السعودية إلى التواصل معه، بجانب اجتهادات التلاقي والتفاهم المبكر، تطرف قادة الجنوب اليمني الذين اعتنقوا أيديولوجيات مغيرة على العقائد السائدة في المنطقة، وتحديداً المملكة التي رأت تلك الأيام ومن خلال ملكها الفيصل وأمرائها، وبينهم سلطان، ما لا يستسيغونه من جموح وجنوح إلى العداء أدى إلى مواجهات إعلامية عنيفة ثم مناوشات حدودية، كرست خطاباً مستفزاً تجاوز الحد المعقول، حتى استعدى الشمال اليمني نفسه، وترسخ انفصال شطري اليمن، وذاك مما ميز بين نهجين مختلفين تبدى اختلافهما أيضاً في رفض الشطر الجنوبي حضور المؤتمر الإسلامي بجدة عام 1970م. إلا أن إبداء المرونة من الجانبين السعودي واليمني الجنوبي بعد ذلك بأعوام من خلال وساطة سرية مصرية عبر الوزير أشرف مروان لدى الملك فيصل قبيل استشهاده، واكتمال وضع سيناريو الالتقاء الدبلوماسي بين البلدين في عهد الملك خالد، لدى الأمير سلطان صاحب اليد الطولى في تطبيع العلاقات -حد تعبير وزير خارجية الجنوب السابق سالم صالح محمد- بعد إعلان الأمير فهد ترحيب بلاده بالحوار مع عدن عام 1975م، مكّن من صدور بيان رسمي حول تطبيع العلاقات أو «إقامة علاقات طبيعية» في مارس 1976م، ثم استقبال عدد من كبار المسؤولين السعوديين الملك خالد والأمراء فهد وسلطان ونايف وسعود الفيصل، لوزير خارجية اليمن الديمقراطية محمد صالح مطيع في 2-5 مايو 1976م ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفارة، وتمد المملكة يد العون والشراكة في «تطوير مصفاة عدن ورفع طاقتها الإنتاجية أكثر من 8.600.000 طن سنويا تساهم المملكة بنسبة كبيرة من تكاليف تطويرها». وإذ تُعد تفاصيل العلاقات باليمنين شماله وجنوبه لدى سلطان، يشارك في لقاءات القمة اليمنية الجنوبية – السعودية خلال 31 يوليو – أول أغسطس 1977م لدى زيارة الرئيس سالم ربيع علي ومباحثاته والملك خالد ثم اجتماع العمل مع الأمير فهد، وما انطوت عليه من تأكيدات على حقوق تاريخية لدول المنطقة في الجزيرة والخليج في «السيطرة على مواطن الثروة» والاتفاق على «جعل البحر الأحمر منطقة سلام». غير أن تعثر العلاقات مع الشطر الجنوبي منذ عام 1978- 1981م عند عقبات طارئة لأسباب داخلية هنالك، تجاوزتها تمنيات صريحة للأمير سلطان عام 1980م عبر لقائه بصحيفة الجزيرة السعودية «باستتباب الاستقرار والهدوء لدى الجيران من الإخوان العرب في اليمن الجنوبي». وفي اليمن الشمالي ظل ارتباطه به منذ تولي الرئيس علي عبدالله صالح يقوى يوماً بعد يوم، بما امتد إليه من عون سخي في الجانب التنموي أو تنسيق سياسي، وتوالت زيارات الوفود إليه واتصالاته بالمسؤولين هناك لمختلف الشؤون والقضايا المصيرية المشتركة. وبتعيين حكومة جديدة برئاسة الدكتور عبدالكريم الإرياني في أواخر أكتوبر 1980م يتواصل انضباط اجتماعات مجلس التنسيق السعودي اليمني المشترك سنوياً وتنعقد ثلاث دورات (1981-1983) إحداها في صنعاء عام 1982م فتحسب للأمير سلطان الزيارة الثانية بعد ست سنوات من الزيارة الأولى 1976م. وإذ تشهد الساحة السياسية المحلية والإقليمية والدولية مفاجآت من نوع حرب الخليج عام 1990م الذي سبب تباين وجهات النظر السعودية واليمنية، وبروز انتقادات للجانبين من هنا وهناك، لم تنقطع الصلات الشخصية للأمير سلطان بأصدقائه اليمنيين بل ظل بصدره الرحب وبسمته المعهودة ووجهه البشوش يستقبل وفوداً شعبية ترى فيه استحقاقه لصفة «أبو اليمنيين» التي أثبتتها بعض وثائق اللواء يحيى مصلح الواردة في مذكراته «شاهد على الحركة الوطنية». وتسببت حرب صيف 1994م في قطع الأمير سلطان إجازته الخاصة في روما بإيطاليا حيث كان ينتوي قضاء بعض الوقت للراحة وإجراء فحوصات طبية ووجه لوسائل الإعلام كلمة نشرتها صحيفة أم القرى 13 مايو 1994م تناول فيها الموقف السعودي من الوحدة اليمنية عام 90م وما تبعها من تطورات مؤسفة: «.. اندلاع القتال في اليمن الشقيق وما أسمعه وأشاهده في وسائل الإعلام جعل الألم والحزن والأسى يعتصر قلبي لما أعرفه عن اليمن قيادة وشعباً وقبائل وما تربطني بهم من صداقات وتجارب قديمة. وكنت شخصياً ممن خدموا اليمن وسعوا لتنميته وعملوا على تشجيع قيادته معنوياً ومادياً على النهوض بالشعب اليمني. وأمام هذا الحدث الأليم الذي يعصف باليمن تضاءلت في عيني راحتي الشخصية وصحتي فقررت أن أعود إلى مقر عملي لأكون رهن إشارة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين اللذين هما على اتصال مستمر وجاد مع أشقائهم من ملوك ورؤساء الدول العربية بهدف تجنيب اليمن هذا المصير الأليم الذي نراه ينزلق في هوته.. خاصة أن أبناء الشعب اليمني سعوا إلى بناء هذه الوحدة بين الشطرين التي باركتها المملكة العربية السعودية حال قيامها بروح المحبة والتفاؤل وترقب مستقبل أفضل. وعندما ظهرت الخلافات لم نستغربها، فالأشقاء يختلفون والأصدقاء يختلفون أما أن تتعطل لغة الحوار بين الأشقاء ويلجأ الأخوة إلى حل خلافاتهم بسفك الدماء وإزهاق الأرواح وإهدار الطاقات وتدمير المكاسب التي لم يصل إليها شعب اليمن إلا بكثير من العناء فهو أمر يحزن كل عربي وكل مسلم ويدمي القلوب المحبة لليمن الذي نكن له الحب والتقدير. وأسأل الله مخلصاً من أعماق قلبي أن يهدي الأشقاء في اليمن إلى حل خلافاتهم بتحكيم العقل والمنطق والحوار الهادف إلى مصلحة اليمن وأبنائه». وتزامنت دعوات الحكومة السعودية في جلسات طارئة برئاسة النائب الثاني سلطان أحياناً -بعد صدور قراري مجلس الأمن 924- 931- بالحوار ووقف إطلاق النار مع قرب موعد انتهاء الحرب في يوليو 1994م وتثبيت الوحدة بتضافر القواعد الشعبية مع القمة السياسية والعسكرية، لتبذل محاولات ترميم العلاقات الثنائية متوازية مع ما طرأ عليها من احتكاك حدودي، كثف جهود المتصلين سياسياً بالأمير سلطان كالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والأستاذ عبدالقادر باجمال بعد قضاء ما يقرب من شهرين في المملكة لإبرام مذكرة التفاهم الحدودية بين اليمن والسعودية في فبراير 1995م، ثم تجري زيارة رسمية من رئيس الوزراء عبدالعزيز عبدالغني لتنقية ما علق في الأجواء، وزيارة الرئيس علي عبدالله صالح في يونيو من نفس العام، ثم يتقرر لاحقاً إنشاء اللجنة السعودية اليمنية العليا برئاسة الأمير سلطان والشيخ الأحمر، فتنعقد أولى دوراتها في شتاء 1995م، وثانية الدورات في صنعاء صيف 1996م. وبقيت مسألة الحدود معلقة في إحدى جزئياتها التي جمعت الرئيس علي عبدالله صالح والأمير سلطان 1997-1998م في منتجع كومو الإيطالي الذي أثّر -كما يصف د. الإرياني لبرنامج حديث الخليج بقناة الحرة سبتمبر 2008م- على الأجواء فجعلهما هناك يرسمان الخط الحدودي النهائي للبلدين فكانت فضيلة الرجوع إلى حق الأخوة محسوبة للجانب السعودي حسب د. الإرياني. ولاستئناف مسيرة 35 عاماً من التنسيق المشترك وانتظام دورات مجلسه اليمني السعودي، بلغت قيادتا البلدين 12 يونيو 2000م وبحضور ولي العهد عبدالله بن عبدالعزيز والأميرين سلطان ونايف إلى جانب الرئيس علي عبدالله صالح وقع بالأحرف الأولى الوزيران الدبلوماسيان سعود الفيصل وعبدالقادر باجمال معاهدة جدة الحدودية بين اليمن والسعودية، وإذا بفصل من فصول الاحتكاك الحدودي بين الجارين الشقيقين ينطوي؛ دون أن ينطوي من صفحات التاريخ تاريخ سلطان بن عبدالعزيز وحكايته مع اليمن، الأوسع من أن تختصر في كلمات قليلة عن سيرة طويلة عنوانها الخير، الذي جعله يقرّب الشيخ ويعامل المدني ويحترم القاضي، ويداري بحلمه وكرمه المسيء، ويسوس ملفاً معقداً بشكل جاذب للتفاعل معه. وإذ استروح التعامل مع شخصيات يمنية محددة لم يغلق بابه أو يصد من يختلف نهجه عمن يروقه نهجهم بل يستمع نصحهم إكراماً لقدرهم ثم يمضي إلى ما يعتقده صواباً. ولئن صوروه وسخاءه بأمواله –على بعض اليمنيين- يضمر شراً، فقد أظهرته أقواله وأفعاله -تجاه اليمن- يسدي خيراً يعبر عن «الاهتمام بالدور الكبير الذي يلعبه اليمن الشقيق في المنطقة العربية» أحد تصريحاته لصحيفة الشرق الأوسط عام 2007م.