قدّر الله للكاتب محمد بن عبداللطيف آل الشيخ أن يشهد ما تمناه لبلاده، وما قاتل من أجله، وأن يطمئن في رقدته الأخيرة بأن بلاده تسير في الطريق الصحيح. رأيته هادئاً ومطمئناً وهو مستلقٍ ميتاً على مغسلة الراحلين، ورأيت على وجهه الساكت رغم فراغه من الحياة أثراً للابتسامات التي اندلعت في سنوات النصر الأخيرة المتتالية، ذكّرني به في لحظة الإصغاء في منزله مع أصدقاء الفكر والصحافة، ويؤسفني أن غادر قبل أن يرى ثمرات هذا النصر في المشاريع القادمة. منذ السنوات الأولى من القرن الحالي دخل منزله تاريخ الصراع الفكري المحتدم بين تيارَي الصحوة والتنوير. كرّس أبو عبداللطيف صالون منزله ندوة مفتوحة يتبادل فيها أصحاب الفكر التنويري الآراء والأطروحات فتشكّل فكراً وطنياً مشتركاً لمواجهة تيار الصحوة القوي والمنظم والقابض على المنابر، ورغم عشوائية اللقاءات وتباعدها الزمني وخلوها من الإعداد المسبق يمكن أن تكون موضوعاً لكتاب يؤرخ للصراع وأهم الأسماء التي شاركت في المعارك، خصوصاً أن بيته لم يكن يضم نخبة من كتّاب الرياض فحسب، بل يؤمه كثير من المثقفين الذين يأتون من أنحاء المملكة ومن خارجها. ثمة حقبتان للتاريخ التنويري في منزله؛ الأولى حقبة احتدام الصراع، والأخرى بعد انقشاع تيار الصحوة. كانت الأولى قاسية امتلأت بالتهديد والتشويه والتفجير، والثانية كانت ارتباكاً واحتفالاً بعد سقوط الصحوة بعناصرها ورجالها ومؤسساتها، وكأن البلاد استيقظت من حلم. رحيله كأنما هو إيذان بنهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، نهاية جيل وبداية جيل جديد، نهاية الصراع مع أهل الماضي وبداية صراع الشباب مع المستقبل، مرحلة ترك الكلام والأوهام والانشغال بالبناء. أمضى في المستشفى أكثر من ثلاثة أشهر قضاها في معارك ضارية، مرة مع الحياة ومرة مع الموت، مرة مع الأمل والأخرى مع اليأس، كان كثيراً ما ييأس ثم يستعيد آماله، بيد أن ضربات الوجع قلّصت طموحاته إلى أن جاءت يد الرب الرحيم لكي توقف عذاباته وعذابات أسرته وأصدقائه.