مخرجات القيل والقال المُفضية إلى النميمة وأخواتها، أقل ما يمكن وصفها ب«هوس الثرثرة».. فالهدرة الزائفة التي تبث الشقاق والعداء وتمزق العلاقات الاجتماعية؛ خوض في الخصوصيات واقتحام لها بلا معنى ولا جدوى.. هؤلاء المنافقون غير المنضبطين الذين لوّثوا الأسماع بضوضائهم، وخلطوا الكلام دون ضوابط؛ تجاوزوا الحد بوقاحة منزوعة اللياقة واللباقة. وطالما أن «الصمت» الذي عدّه الفلاسفة من أساسيات الصبر والأدب والحكمة؛ فإن خير الأقوال في أي موقف هو الإمساك عن الكلام الذي لا خير فيه، خصوصاً في الزمن الذي تضج الحياة وتعج بغلو الإسهاب في الكلام الممل الذي لا طائل منه.. وقد قيل في الأثر: («السوي» من ينأى بنفسه بعيداً عن تلك السلوكيات المذمومة، و«الفَطِن» من يمسك ما بين فكيه).. ولذلك؛ فإن «الصمت» الذي هو لغة العظماء والحكماء؛ فضيلة تجلب لصاحبها السلامة والمهابة والوقار.. وقد يكون الصمت لدى البعض مُتعباً، لكنه يبقى أرقى وسيلة للرد على لغط الكلام. من الجملة الراقية «رُبّ قول كان جماله في الصمت، ورُب صاحب قول كان حليفهُ الندمُ»؛ استرجعت أقوالاً لحكماء من التاريخ تدعو لقلة الكلام لو عمل بها الناس لأراحوا واستراحوا، منها؛ قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ما ندمت على سكوتي مرة، لكني ندمت على الكلام مراراً»، وقول أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الكلام كالدواء؛ نافع قليله وقاتل كثيره»، وقول لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه: «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب»، وقول الإمام الشافعي رحمه الله: «وجدت سكوتي متجراً إذا لم أجد ربحاً فلست بخاسر». وعند الصراخ الباطني في الوجدان الذي لا يسمعه إلا صاحبه (صمت الحكمة)؛ دعوة إلى أن يكون اللّفظ محسوباً وموزوناً ونقياً من كل ما لا يليق بالمتكلم والمتلقي. أخيراً: لله در الشاعر العربي «أبو العتاهية» حين قال: إذا لم يَضِقْ قوْلٌ عَلَيكَ فقل بهِ وَإن ضَاق عنكَ القوْلُ فالصّمتُ أوسعُ فَلا تَحتَقِرْ شَيئاً تَصاغَرْتَ قدرَه فإنّ حَقيراً قد يَضُرّ ويَنْفَعُ