تاريخياً: هناك في الغرب مسألة يهودية «The Jewish Question». لطالما اضطهد اليهود في مجتمعات الغرب. دينياً: منذ البداية، الكنيسة الكاثولوكية، تُحَمِّلُ اليهودَ وزرَ قتلِ المسيح عليه السلام وصَلْبِه، كما يزعمون. استمر في عقيدة المسيحية، تحميل وزر دم المسيح على اليهود، إلى أن برأ بابا روما بندكت السادس 2012 اليهود، من دم المسيح! في المقابل: اليهودية لم تعترف برسالة المسيح عليه السلام، ولا تعتبره نبياً من أنبياء بني إسرائيل. كما أن اليهود، في مجتمعات الغرب المسيحية يميلون للعزلة الاجتماعية ويفضلون العيش في مجمعات وأحياء سكانية خاصة بهم (الجيتو) ويرفضون أي شكل من أشكال الانصهار الاجتماعي، لأسباب عنصرية تلمودية.. بالإضافة لاشتغالهم بالتجارة وجشعهم وتعاملهم بالربا. ظل هذا الحذر والترقب، بل حتى التربص، من اليهود لليوم. تفاقم الأمر فترة ما بين الحربين العظميين، حيث تطورت فكرة العداء للسامية، نتيجة ما لقيه اليهود من النازية في ما عرف ب«محرقة الهولوكوست». «بُكَائِية الهلوكوست» هذه تحولت إلى عقدة ذنب، استغلها اليهود لضمان حمايتهم، ابتزازاً لأنظمة الغرب السياسية، بحجةِ عدم تكرار تجربة «الهولوكوست». مع الوقت، وقَعَت مجتمعات الغرب ونخبه السياسية، أسرى لقوانين صارمة، تفسر أي معاملة لا تروق لليهود.. واعتبار أي تلكوءٍ في تلبية مطالبهم السياسية والاجتماعية المتزايدة والمزعجة، من صور العداء للسامية. هذا، بالإضافة لتغلغل اليهود في منظمات المجتمع المدني، أحزاب سياسية.. وجماعات ضغط ومصالح، وإنشاء «لوبيهات» تدافع عن مصالحهم السياسية.. وامتيازاتهم الاجتماعية.. ومطالبتهم الملحة بدعم إسرائيل، التي لا يقوى أي مشتغل بالسياسة في مجتمعات الغرب نقدها، دعك من معارضتها، إلا وجازف بمستقبله السياسي. كما لا ننسى انخراط اليهود في مؤسسات الخدمة المدنية، مثل: التعليم والصحة والخدمات البلدية والإعلام والصناعة وتطور التكنولوجيا، وعالم الاقتصاد والمال. مع كل هذا التغلغل اليهودي، بأفكاره السياسية العنصرية (الصهيونية) المتزمتة، إلا أن اليهود على المستوى الاجتماعي والمزاج الفردي في مجتمعات الغرب، يكُن لهم رفضاً وامتعاضاً، يصل أحياناً، لدرجة الكره، لتماديهم بالمزيد من المطالب والامتيازات، ولابتزازهم السياسي، خاصة في أمريكا الشمالية، بما لا يتناسب مع كثافتهم السكانية، التي تفوق نصيب المواطن العادي، من ذوي الأصول الأنجلو سكسونية والآرية البيضاء.. وكذا منتسبي الأقليات الأخرى البيضاء (القوقازيون)، مثل السُلاف والأيرلنديين والطليان والروس وغيرهم... دعك من الأجناس الأخرى (الملونون) من ذوي البشرة السوداء والحمراء والصفراء... إلخ. باختصار: المسألة اليهودية في مجتمعات الغرب لم تختف أو تتلاش، أو حتى يُُزعم أنها توارت أو أجُهز عليها. بالعكس: «المسألة اليهودية» ظلت كامنة تضطرم تحت الرماد، ولم تنجح محاولات قمع التعبير العلني عنها القانونية والسياسية، في إخفاء امتعاض ومقت وكره مجتمعات الغرب لليهود وتبرمهم من ابتزازهم السياسي. حتى جاء العدوان الإسرائيلي على غَزّة، وما يرتكبه الصهاينة من جرائم تنحدر لمستوى الإبادة الجماعية، المنهجية والمنظمة ضد الفلسطينيين، ليَظْهَرَ للجميع كم هم اليهود، بعقيدتهم الصهيونية العنصرية البغيضة، أعتى إجراماً وعداءً للإنسانية والسلام، من النازيين والفاشيين، الذين طورت الصهيونية من ممارستهم القمعية لهم فكرةَ العداءِ للسامية. عدوان الصهاينة ضد الفلسطينيين، الذي أظهر الجانب الظُّلامِي الحاقد للصهاينة على الإنسانية والسلام، هو الذي أخرج عفريت المسألة اليهودية من قمقمه، ليطل من جديد، مقتاً وامتعاضاً وكرهاً ورفضاً لليهود في مجتمعات الغرب. ظَهَرَ ذلك جلياً في مظاهرات الجامعات الأمريكية والأوروبية، مناديةً بوقف الحربِ، هاتفتةً بالحرية لفلسطين وشعبها. صيحاتٌ مدوية تعلن عن رفض الصهيونية.. وتتحدى أسطورة العداء للسامية، وتثير تساؤلات حول أسطورة «الهلوكوست»، مبشّرة بتغييرات جذرية سياسية في مجتمعات الغرب، تنال من الوضع المتميز لليهود، انعتاقاً من الصهيونية.. وفكاكاً من ابتزازها السياسي وعنصريتها البغيضة. هناك مسألةٌ يهوديةٌ تتطور في مجتمعاتِ الغرب، هذه الأيام، ربما تكون أقسى مما واجهَهُ اليهودُ، طوال تاريخهم.