تعقد رابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة اليوم (الأحد) وغداً (الإثنين) السابع والثامن من رمضان، المؤتمر الدولي «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية». ويأتي المؤتمر بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها الرابطة في دول العالم كافة، وآخرها مشاركة الرابطة في مؤتمرها الأول في البلقان لترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الشعوب، وامتدت أصداؤه إلى أوروبا كاملة، فهو أول حدث إقليمي تعايشي بعد مآسي حرب الإبادة في البوسنة، وتتضامن فيه القيادات الدينية والزعماء السياسيون، وتميز بحضور التنوع البوسني من صرب وكروات ومسلمين، إضافة إلى القيادات المماثلة من دول البلقان. ونتج عنه إعلان سراييفو، الذي وصف بالمهم والناجح لا سيما في ظل المتغيرات الدولية والجيوسياسية، ولاقى أصداء إيجابية كبيرة في أوروبا. ونجح المؤتمر في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء في الإقليم، وإحياء روح التعايش والتآخي بين مختلف الأعراق والأديان بالمنطقة، كما استعاد روح الوحدة التي نغصتها بعض المتغيرات. تنطلق رابطة العالم الإسلامي، في خطتها لبناء السلام من القيم الراسخة للإسلام الذي يحرص على تأسيس حالة السلام في كيان الفرد أولاً، فيعصمه من الطغيان ويردعه من التعدي وينهاه عن افتعال أسباب الصراع، ثم يحمي الإسلام حالة السلام التي أرساها وأسسها في كيان الفرد بتوجيهه لصونها على الدوام، فيمنعه من الظلم، ويخطره بحرمة الإنسان من حيث هو إنسان وبكرامته التي خُلق بها وعليها، فيمنعه من ارتكاب جرائم القتل وسفك الدم الإنساني بغير الحق. أما على مستوى المجتمع، فإن تعاليم الإسلام عملت على توطيد السلام بالمساواة العادلة بين الأجناس والأعراق كافة، وتحجيمها للعامل العرقي والقومي في نطاقه المأمون المحمود، فقللت بذلك من آثار التطرف العنصري الذي أدى إلى اشتعال الكثير من الحروب، فالمعروف أن العامل القومي عندما يصل إلى حد التعصب الجنوني الأعمى، فإنه يقود إلى الحط من أقدار القوميات الأخرى وأتباعها والدخول معها في صراعات قد تصل إلى مستويات حروب الإبادة التي لا رحمة فيها. وبإغلاق الإسلام لهذا الباب والتحذير من طرقه يغلق باباً من أكثر الأبواب التي تعكر صفو السلام. هذه المعاني كانت حاضرة في أعمال المؤتمر، ولا شك أن ما عاناه الشعب في منطقة البلقان من ويلات الحروب يبعث الفرد والمجتمع على التمسك بقيم التعايش السلمي. وحظي باهتمام كبير في دول البلقان، وهو ما عبَّر عنه الرئيس البوسني، في كلمته الافتتاحية عن أهمية المؤتمر، مؤكداً أهمية التنوع غير المسبوق في الحضور والمشاركة، وذلك حول موضوعه الداعي لتعزيز قيم التسامح والتعايش والسلام. وهو المعنى نفسه الذي أكد عليه الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، في كلمته في حفل الافتتاح، أن النموذج البلقاني الواعي قد استفاد في تآلفه وتضامنه من مواعظ التاريخ، كما استفاد من منطق الوعي وحكمة اتخاذ القرار في قضايا مصيرية، فسجَّلَ بذلك فصلاً حضارياً يَنظُر لمستقبله ومُسْتَقْبَل أجيالِهِ متجاوزاً التحديات والمصاعب، مُقَدّماً من واقع ماضيه التاريخي إلهاماً للآخرين للاستفادة من النماذج المؤلمة لمآسي الكراهية وكوارث الصراع الديني والإثني والحزبي. دعم لوجستي للتعليم مبادرات الرابطة التعليمية خرجت على امتداد خارطة الدول الإسلامية ودول الأقليات، رؤساء ومفتين ووزراء وأعضاء في هيئات الإفتاء والمجالس الإسلامية ومستشارين في رئاسات الدول ورؤساء للمراكز الإسلامية، فضلاً عن الأطباء والمعلمين والباحثين.. وقد كان لهم إسهام كبير في خدمة استقرار بلدانهم ونهضتها.. هذا يضعك في صورة النجاح والنماذج كثيرة جداً. وتضع رابطة العالم الإسلامي التعليم ورعايته في أولى اهتماماتها، وتحتضنه انطلاقاً من رؤيتها؛ فالتعليم عماد النهضة والحضارة لأي أمة، وأساس بناء الحاضر وتشكيل المستقبل. يرافق نهضة التعليم تحقيق الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار وتنشئة أجيال واعية مستنيرة وقادرة على البناء والعطاء المستمر، وهو الوسيلة الأعمق لتأهيل كوادر تعليمية قادرة على إعداد جيل متميز ومبدع يمتلك المعارف والمهارات اللازمة للارتقاء بمجتمعه، والإسهام في تقدم وطنه، وقبل ذلك يُعدّ وسيلة لنقل العلم الرباني للناس كافة وتقويم فكرهم وتنشئته على الاعتدال ونبذ التطرّف. ولذلك تركز الرابطة على جميع عناصر العملية التعليمية، بالتعاون المباشر مع الحكومات والمنظمات الدولية، ولديها إدارة مختصة، مهمتها تقديم الدعم المادي واللوجستي لكل الجهات التي تُعنى بتطوير التعليم في المناطق المحتاجة بالعالم الإسلامي ودول الأقليات، مع وضع الخطط التربوية ورسم سياسة المناهج التعليمية التي تُدرَّس في مدارس ومعاهد العالم الإسلامي، والأقليَّات المسلمة في الدول غير الإسلامية؛ بما يُسهم في رفع قدرات الطلبة وتشكيل وعيهم والارتقاء بخلقهم. أنشأت الرابطة عشرات الأكاديميات والمعاهد والمدارس، وتزودها بكافة احتياجاتها من كفاءات تعليمية وموارد مادية وعلمية مثل المراجع العامة إلى جانب العناية باختيار نخبة من القائمين عليها من الإداريين والمدرسين. مقرأة إلكترونية لتعليم القرآن لدى الرابطة شراكات مع كبرى الجامعات في العالم الإسلامي وخارجه، حيث تدعم العلوم المختلفة والأبحاث الفكرية والإنسانية، إلى جانب مهمتها الأساسية في نشر وتوسيع دائرة تعليم العلوم الإسلامية واللغة العربية. وعقد المؤتمرات والندوات التي تعنى بتطوير مناهج العلوم الإسلامية، وعلوم اللغة العربية والعمل على الارتقاء بها وتطويرها، وتحقيق التوجيه الإسلامي للعلوم في مختلف الدراسات والبحوث التي تقوم بها من خلال استخدام كل أنواع التقنية الحديثة، مثل: الحاسوب، والشبكة العنكبوتية، والاستفادة من التعليم عن بعد، والاهتمام بإعداد قاعدة معلومات عن إنتاج الأفراد والمؤسسات لمختلف مراحل التربية والتعليم. وتتبنّى الرابطة أفضل الممارسات في ما يتعلق بالتعليم، ومن ذلك التعليم عن بعد، وعلى سبيل المثال أنشأت برنامج «المقرأة الإلكترونية» لتعليم القرآن الكريم وعلومه، وتعليم التجويد للحلقات القرآنية والأفراد في كل أنحاء العالم، عبر برامج التواصل الصوتية المتنوعة، وهي تخدم عشرات الآلاف حول العالم. وتواصل رابطة العالم الإسلامي القيام بواجباتها الإنسانية والاجتماعية تجاه المجتمعات والأفراد حول العالم. الوقوف ضد المحرضين لحرق القرآن وحرصت الرابطة على الوقوف ضد كل الممارسات التي تحرض على حرق القرآن الكريم، فالتقى الأمين العام رؤساء الدول والوزراء والقيادات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية من أجل الدفع بإقرار القوانين الرادعة لهذه الأفعال المشينة التي تساهم في نشر الكراهية والعنف بين المجتمعات. أما العمل الإنساني فتواصل الرابطة توزيع سلال غذائية في عدد من الدول، كما كانت حاضرة في إغاثة المتضررين من الأعاصير والفيضانات في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية. وفي مشاريع الرعاية الاجتماعية، قامت الرابطة بتسليم المخصصات المالية السنوية للمستفيدين من الأيتام ضمن البرنامج الخاص بكفالة الأيتام في القارة الأفريقية، والعيديات التي تقدم لأسر الأيتام، وشملت خلال الربع الثالث من العام الماضي نحو 37,813 يتيماً، إضافة إلى اللقاء الأبوي مع الأيتام، والدعم التعليمي للطلاب، والأرامل، والحالات الإنسانية الخاصة، مثل الأطفال الذين يعانون من التوحد. تبني احتياجات الأسر الفقيرة وفي التنمية المستدامة تتمثل خطط الرابطة في تبني احتياجات الأسر الفقيرة وأسر الأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة والمهجرين، وتوفير الحماية والرعاية الاجتماعية للفئات التي بحاجة لها، وتمليكهم مشاريع صغيرة تحقق دخلاً يعينهم على متطلبات الحياة، وتدريبهم على مهن تجعل منهم أسراً منتجة، وتوفير مساكن للأرامل والفقراء، وبناء المساجد، وحفر الآبار، وتنظيم عمل القطاع التطوعي والإنمائي، حيث بنت عدداً من البيوت، وحفرت الآبار، وعمرت أكثر من 70 مسجداً، استفاد منها خلال الفترة المذكورة أكثر من 50 ألف شخص. وواصلت الرابطة تقديم الدعم اللازم للمستوصفات والمراكز الطبية التابعة لها في كل من دول أفريقيا وآسيا، إضافة إلى برامج الجراحات المتنوعة ومكافحة العمى، واستفاد منها آلاف من المرضى الذين يعانون من الأمراض المتعلقة بالقلب وغيره. كما افتتحت الرابطة المركز الطبي في نواكشوط بدولة موريتانيا، بهدف تعزيز مستوى الرعاية الصحية، وتوفير أرقى الإمكانيات والكوادر، كما افتتحت مستوصف السلام في هرجيسيا في الصومال.