خطوة تاريخية شهدتها أراضي (البوسنة والهرسك) عقب إعلان رسالة سراييفو للسلام، من أحضان المؤتمر المنعقد في 12 فبراير في مبنى مجلس النواب الذي نظمه مجلس النواب في (البوسنة والهرسك) بالشراكة مع رابطة العالم الإسلامي في العاصمة (سراييفو)، والذي جمع البرلمانيين والقيادات الدينية، لتعزيز التعايش والسلام في بلد شهد فيه المسلمون إبادة جماعية في تسعينيات القرن الماضي في جريمة وصفت بأنها الأبشع في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وإن انعقاد هذا المؤتمر له دلالته من حيث المكان، كما له رسالة قوية في زمن لا يزال يواجه في العالم تحديات الصراعات والحروب الدموية، فهو يأتي لمعالجة قضايا التعايش والسلام لما لها من أهمية كبيرة في عالم مليء بالتهديدات والتحديات العالمية. ولا شك أن الحوار بين الأديان والثقافات والمجتمعات العرقية أمر مهم لتحقيق التعايش والسلام بين الأمم والشعوب. إن التعاون الذي جرى بين مجلس النواب في (البوسنة والهرسك) وبين رابطة العالم الإسلامي له أبعاده الإنسانية والسياسية والدينية، باعتبار أن البرلمان هو المؤسسة التشريعية التي تمثل صوت الشعب وكلمته ودليله ومرجعيته القانونية التي تعزز الإطار القانوني لخلق مجتمعات أكثر انفتاحاً وشمولية واحتراماً للخصوصية الدينية والثقافية، كما يعتبر البوابة والإطار القانوني الأمثل لتعزيز التقارب بين الحضارات والتفاهم المتبادل بين مختلف الثقافات. وإن مشاركة رابطة العالم الإسلامي في عقد هذا المؤتمر - باعتبارها تمثل المرجعية الإسلامية بمختلف مذاهبها - تعكس أهمية العمل المشترك والتعاون بين الجهات السياسية بما لها من دور وبين القيادة الدينية بما لها من تأثير على المجتمعات. وإننا بحكم وجودنا ومشاركتنا في مؤتمر رسالة سراييفو للسلام نؤكد على المساعي الكبيرة والجهود المضنية التي بذلها معالي أمين عام رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى في سبيل تحقيق السلام العالمي الدائم والشامل. وإن إطلاق رسالة السلام من سراييفو يؤكد العمل البنَّاء على مد جسور الحوار مع الآخر، خصوصاً أن (البوسنة والهرسك) أنموذج غربي تكتمل فيه صورة التعددية العرقية والثقافية والدينية لتشكل همزة وصل بين الغرب والشرق، كما ستكون منارة عالمية للسلام والتسامح والقيم الإنسانية المشتركة. إن مشاركة رابطة العالم الإسلامي في إطلاق رسالة السلام من سراييفو زرعت الأمل في قلوبنا جميعاً، ومدتنا بالثقة مجدداً. ولقد شاركنا في المؤتمر الذي حضره الكثير من الشخصيات المهمة من مفكرين وأكاديميين ونواب وقيادات دينية، ورأينا التكاتف والتعاون على مستوى عالٍ جدا مما يعكس النية المشتركة لإيصال رسالة السلام إلى العالم كله، والتأكيد على أهمية العمل المشترك بين البرلمان والقيادة الدينية لدراسة القضايا الشائكة التي من شأنها أن تهدد السلم العالمي. كما أن الرابطة وأمينها العام الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى يعملون على توسيع العمل المشترك وتنسيق الجهود بين برلمانات العالم والمجتمع المدني والمرجعيات الدينية. إن رابطة العالم الإسلامي كانت وستبقى داعمة للقضايا الإنسانية المشتركة، وإنها أكدت عبر مؤتمر سراييفو أنها ترفض كل أشكال العنف وخطاب الكراهية وانتهاك حقوق الإنسان وإهانة الحقوق والحريات الدينية لجميع الناس، كما أنها حريصة على ترسيخ قيم التسامح والتعايش، وضرورة تعزيز الاعتدال والانفتاح والحوار بين الأديان والثقافات، وقبول التنوع الديني والعرقي والثقافي باعتباره ثروة حضارية من شأنها بناء أرضية صلبة للسلام العالمي الذي يعاني من ارتجاجات متكررة بسبب الصراعات الدائمة والمستمرة.