سابقاً، كنا نواجه مأزقاً في تفسير أو تبرير بعض الأوضاع الاجتماعية وبعض المحظورات في الحياة العامة لدينا، عندما ندخل في نقاش مع الآخرين من النخب الإعلامية والثقافية في مجتمعات أخرى، خصوصاً في الدول الغربية، بل وحتى مع الأشخاص العاديين الذين يستقون معلوماتهم من تجربة آخرين عاشوا في المملكة أو زاروها. لم نكن حينها قادرين على الحديث عن الإيجابيات الموجودة لدينا، لأنه كان علينا أن نفسر مبررات وجود تلك السلبيات أولاً، وهي مسألة شاقة ومرهقة، لأننا نحن قبل غيرنا لسنا مقتنعين بها ونطالب بتغييرها، لكن تجبرنا الغيرة الوطنية على محاولة الدفاع حتى عن أخطائنا وسلبياتنا. الآن تغير الحال تماماً، لم نعد في موقف المساءلة والتبرير، بل أصبحنا قادرين وبثقة كبيرة على التباهي بما يحدث لدينا على كل الأصعدة، والزهو بما تحقق خلال فترة قصيرة جداً من نقلات هائلة في كل مجال. لقد تغيرت المعادلة جذرياً فقد أصبح مطلوباً منا تفسير كيف تحققت هذه النقلة الكبرى والتغيير الإيجابي الهائل خلال هذا الزمن القياسي، وليس ذلك فحسب بل أصبحنا نسمع من الآخرين عن بلدنا ما لم نكن نتخيل سماعه من الإعجاب والإطراء والثناء. خلال عودتي مؤخراً من عاصمة غربية، كان بجواري في صالون الانتظار شخص من مواطني تلك الدولة وزوجته، تبادلنا التحية وعرفت منه أنه ذاهب للمملكة للمرة الأولى للعمل في إحدى الشركات المشاركة في تنفيذ أحد المشاريع الكبرى لدينا، مع أنه في وظيفة مرموقة في بلده. كان متحمساً جداً للمجيء، ما دفعني إلى سؤاله عن سبب ذلك الحماس، لأكتشف أنه قرأ مع زوجته كثيراً وبعمق ووعي عن واقع المملكة الآن، وكذلك عن ثرائها المتنوع في المواقع السياحية والآثار التأريخية، والفنون والتقاليد الشعبية، وأنماط الحياة في مناطقها المختلفة، وحسن الضيافة والترحيب بالأجانب، وكذلك تحدث عن توفر وسائل الترفيه المختلفة التي تحتاجها أي عائلة من أي مجتمع آخر، وأنه متأكد بأنه سيعيش تجربة حياة مثيرة وثرية وآمنة ومريحة. هذا الانطباع أصبحنا نلمسه لدى الكثير ممن يتابعون أخبار المملكة، أو سنحت لهم فرصة القدوم إليها للعمل أو الزيارة لحضور المؤتمرات والمنتديات العالمية التي تُعقد فيها. الواقع هو الذي يتحدث بالنيابة عن أي سعودي الآن، وهو الذي يجيب عن كل الاستفسارات والتساؤلات. لقد انتهى زمن المحاولات المتعبة لتبرير ما كان يحدث، وأصبحنا في زمن الفخر بما يحدث.