قيل: «الإنسان يرث من أبويه آثار ما هما عليه من جميل السيرة والخلق وقبيحهما، ويرث مشابهتَهُما في خلقهما»، الراغب الأصفهاني.. وأقول: إن ثقافة الميراث المُتقن الصحيح الذي يبقى ولا يفنى؛ هو «الإرث المعنوي» الذي يتمحور حول البقاء الإيماني والأخلاقي والقيمي.. إذن؛ ما الطريقة لصناعة موروث حقيقي يؤثر في قلب الوارث؟ وكيف نصنع إرثاً معنوياً يُصلح القلوب المهترئة ويرمم الشخصية المتآكلة؟ •• •• •• حين يتمرد الإنسان على فطرته بالنأي عن التشريعات الخُلُقية؛ يتملَّص عن الضوابط الفطرية، فيستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.. وفي وجود أسرة ليست كفؤاً لتوريث القيم بالصورة القيمية الكبرى؛ هناك إنسان هارب من قِيَمِه نتيجة تكوين ثقافي غير ناضج.. ومن يمر على الحياة بأيامها ولياليها دون قيم خُلُقية؛ فهو مثل قيظ الصيف يحرقه بحرارته، لتأتي برودة الشتاء فتكسر عظامه. •• •• •• بين قوة مناعة قيم ووقوعها على شفا انهيار؛ تلبية لحاجات الجسد والروح، فلا إيغال في المادية ولا سقوط في الروحانية.. وبين مجتمع إنساني تميزه منظومة مبادئ، ومجتمع حيواني تحركه مجموعة غرائز؛ استجابة لصوت الفطرة البشرية التي يولد عليها كل آدمي.. وبين سيمفونية إرث روحي ونفسي، وفسيولوجية موروث عقلي ووجداني؛ عوامل وراثية لسلوك الإنسان واختياراته في صفات تحمل تشابهات تتعدى الجسد. •• •• •• في تهيئة الأرضية للأبناء كي ينمو الإيمان والأخلاق والقيم؛ سيورثون قيمة آدمية مُشبعة بالمروءة والبسالة تضبط واقعهم النفسي وحركتهم المستقبلية.. وعندما يكون البيت هو المدرسة الأولى لتعليم المُثُل والقيم الأخلاقية؛ يستلهم الأبناء من آبائهم سجايا خُلُقية عن طريقين، «التكوين» و«التشريع».. أما من يزرع في أولاده «طين الأخلاق»؛ فسيمدهم بحمولة زائدة من هشاشة النفس بامتياز، وحينها لا وقت لنا للحزن عليهم. •• •• •• وعند كلام الإمام الغزالي: «قلب الطفل جوهرة نفيسة، قابل لكل ما ننقش عليه»؛ تأكيد أن الفطرة الإنسانية قابلة لكل شيء.. وأولئك الجيل من الأبناء اليائسين المهزومين الخارجين من آباء جبناء يخافون القيم؛ لن يكون لديهم الاستعداد لتنمية أرواحهم والنهوض بحياتهم.. فإذا سمحوا لذاتهم الشعور بالخيبة والإحباط فسوف يستسلمون إلى اليأس الذي يسلب منهم حياتهم، وسوف تبتلعهم رمال الفشل دون صخب.