قاد مقطع فيديو لتجمهر عدد كبير من المعجبات والمعجبين حول (فاشيونيستا) مشهورة بمنصات التواصل الاجتماعي أثناء مغادرتها معرض عطور في منطقة شمالية، إلى الاعتقاد أن الشهيرات والمشهورين يعملون على استئجار المعجبين والمعجبات، وأظهر المقطع خبيرة التجميل وهي داخل معرض للعطور وحولها عدد كبير من المعجبات اللائي تزاحمن حولها لالتقاط الصور، وقاد ذلك إلى اعترافات ممن يطلق عليهم مشاهير عن جلب جمهور وهمي مقابل مبالغ مالية. وقال مشهور في مقطع فيديو: تواصلت مع شركة تنظيم لاستئجار جمهور وهمي من خلال الاشتراك بإحدى الباقات واتفقت معه على تواجد الجمهور داخل مطعم «عندما أدخل المطعم، سيقوم شخص بعمل إشارة للجمهور كي يصرخوا عند مشاهدتي.. أسعد نفسك عندما يعاندك الواقع»! وقدم «المشهور» نصيحة لكل من لديهم متابعون على المنصات الاجتماعية «ما يصير تكون شخص عندك مشاهدات تصل إلى 25 مليون وما عندك جمهور.. اشتري جمهور بفلوسك». في المقابل، كشف مشهور «سناب شات» الشاب تركي، حقيقة التجمهر حول المشاهير في المجمعات والأماكن العامة. وقال في مقطع فيديو: «ترى الموضوع كذب واحتيالات، المشاهير اللي يجتمع عليهم الناس وقت الإعلانات أثارهم الريال». وأضاف: «ممكن يجيك 5 و6 وحتى 20 شخصاً، فيه مكاتب تجيب لك جماهير مقابل أموال في نصف ساعة ويتجمهرون ويسلمون عليك كأنهم جمهورك». وأجرى المشهور نفسه مكالمة مع إحدى الشركات المسؤولة عن جلب الحضور: «عندي إعلان وأبي حضور لي»، فرد عليه المسؤول: «الشخص ب200 ريال، ولو أردت 200 شخص، يكون إجمالي السعر 40 ألفاً». وأكمل المسؤول بالشركة خلال المكالمة: «أقل عدد نوفره يكون 150 شخصاً، وهو مناسب للإعلان»! مسرحية في الظل فتح تجمهر أعداد كبيرة من الجماهير الشباب والفتيات في افتتاح بعض المعارض والمحلات والعلامات التجارية الجديدة تساؤلات كثيرة، منها عدم معرفة جزء كبير من المجتمع بالمشهور أو المؤثر، وتساءل كثيرون حول طبيعة المشهد الحاشد أمام البوابات ووجود عمليات تنسيق مرتبة. يقول فيصل: هناك تصاريح لشركات منظمة للمهرجانات توفر خدمة الحشود من الأفراد وأنا منهم ونتكون من 50 إلى 500 شخص يتم حشدنا لحضور افتتاح مشروع أو الوقوف مثل صفوف في المقاهي والمطاعم، وتراوح تسعيرة ترتيب مشاركة الشخص الواحد في مثل هذه التظاهرات بين 60 إلى 120 ريالاً للشخص، وهذه ليست جديدة، فقد انطلقت منذ 2016. تحقيق عوائد مالية كبيرة يشكل استخدام سناب شات إحدى عادات التواصل اليومية للجمهور في المملكة، ويتجاوز عدد مستخدميه 14 مليوناً. وكشفت دراسة تحليلية لشركة الأبحاث البريطانية Global Web Index، أن السعوديين يحتلون المرتبة الثانية عالمياً بعد الإيرلنديين في استخدام التطبيق، ما يعني استحواذه على اهتمامات الجمهور؛ ما أدى إلى ظهور مجموعة من مستخدمي التطبيق، اتسمت بالقدرة على جذب عدد كبير من المتابعين، أطلق عليهم (مشاهير سناب شات). ووظّف مشاهير سناب شات العدد الكبير من المتابعين، والشهرة الواسعة التي حققوها في المجتمع، لتحقيق عوائد مالية كبيرة من (سناباتهم)، من خلال جلب أعداد كبيرة من الإعلانات وبثها في المقاطع، كما وجّه أصحابُ الأعمال التجارية والمعلنون، جزءاً كبيراً من حملاتهم الإعلانية إلى مشاهير سناب شات، ما يتيح لعلاماتهم التجارية الوصول إلى شريحةٍ أكبر من العملاء المحتملين، إلى جانب بعض القطاعات الحكومية التي اتجهت للإعلان لدى هؤلاء المشاهير. مستوى مصداقية منخفض! بحسب دراسة مركز القرار للدراسات الإعلامية، فإن من أسبابِ متابعة مشاهير سناب شات في المجتمع السعودي «قدرة المشهور على عرض وتوصيل المعلومة» بنسبة 26.7%، ثم «الثقة الخاصة التي يُوليها المستخدم للمشهور» بنسبة 22.5%، تليها «جاذبية المحتوى المقدّم» بنسبة 15%، ثم «اهتمامه بعرض السلع والخدمات النافعة لمتابعي» بنسبة 13.8%، وتلاها «الارتباط بين مجال المشهور وما يُعلِن عنه من سِلع وخدمات» بنسبة 10.4%، ثم «إشراك متابعيه في الأستوري الخاصة به» بنسبة 7.5%، وتلاها «اختياره للوقت المناسب للإعلان» بنسبة 4.2%. وكشفت دراسة تخصصية لمركز القرار أن مستوى المصداقية المنخفض لدى مشاهير السناب في المملكة بنسبة 37.5%، تلاه المستوى المتوسط للمصداقية بنسبة 34.2%، ثم المستوى المنخفض جداً للمصداقية بنسبة 25.4%، في حين بلغت نسبة المستوى المرتفع للمصداقية 3%، واختفت المصداقية المرتفعة. وتُظهِر النتائجُ ضَعْفَ مستوى مصداقية مشاهير سناب شات لدى المستخدمين السعوديين، بما يشير إلى أن مشاهير سناب شات ليسوا مصدراً إعلامياً يتمتع بالمصداقية لدى الجمهور، ويمكن تفسير ذلك بالمحتوى «الهزيل» الذي يُقدّمه كثير منهم، وغلبة المحتوى الإعلاني والأهداف الربحية، وهو ما جعل هؤلاء المشاهير يفتقدون للمصداقية بنسبة ملحوظة. سيكولوجية الشهرة وتضخم «الأنا» يقول عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو؛ وفق دراسات قام بها على زائري عيادته: إن الإنسان يحتاج إلى إشباع رغباته الفسيولوجية، مروراً بالرغبات الاجتماعية، ليقف به التدرج عند الحاجة إلى التقدير، ثم يمضي إلى الحاجة الذاتية في التميز والتفرّد، فالحاجة إلى التقدير دافع الطامح إلى إشباع الرغبة والمتمركزة حول (الأنا)، حيث تقترن حاجات تحقيق الذات اقتراناً وثيقاً بالسعي وراء الشهرة وحب الظهور. ويؤكد أحد الباحثين البارزين في علم نفس الشعبية بجامعة نورث كارولينا الدكتور ميتش برينشتاين، أن الباحثين يُقسمون الشعبية إلى نوعين؛ النوع الأول الشعبية القائمة على التفضيل الاجتماعي، أو المحبة والاحترام اللذين يلقاهما المرء نتيجة لتمتعه بشخصية جذّابة وكاريزما لطيفة. والنوع الثاني؛ وهي الشعبية المتمحورة حول السمعة الاجتماعية، التي يسعى من خلالها المرء لحيازة الإعجاب بصرف النظر عن كونه محبوباً أم لا. ويرى برينشتاين، أن النوع الأخير بات الأكثر انتشاراً في العالم، وهو آخذ في التزايد بصورة خطيرة، «ومقارنة بالعقود القليلة الماضية، أصبحت أهداف حياتنا اليوم تعكس رغبتنا في امتلاك المزيد من الممتلكات، والحصول على المزيد من القوة، والشعور بمكانتنا ونُفُوذِنا، وكوننا مؤثرين وأصحاب سلطة بين مجتمعاتنا. ويتناقض هذا بشكل صارخ مع رغبتنا في تعزيز المجتمع وتنميته، والتعاون مع بعضنا كما كان منذ بضعة عقود. شخصيات نرجسية مضطربة يرى عالم الاجتماع إرفينغ غوفمان، في نظريته عن عرض الذات أن ثمة جدلية أساسية تكمن خلف جميع تفاعلاتنا الاجتماعية، وهي أن الفرد عندما يكون في حضور الآخرين فإنه يسعى لاستكشاف واقعهم، ومن ثم يقوم بتصدير صورته إليهم بالشكل الذي يتسق مع مصلحته الذاتية، وهو ما يحققه له الاهتمام بالمظاهر في كثير من الأحيان. وكشفت دراسة لمجموعة من الباحثين الكنديين بجامعة يورك، أن الأفراد الذين يُمضون أوقاتاً أطول على وسائل التواصل يميلون إلى امتلاك شخصيات نرجسية وشعور دفين بعدم الأمان؛ الأمر الذي يدفعهم إلى ترويج ذاتهم كالسلعة المعروضة للجماهير، ويزيد من نرجسيتهم واعتدادهم بأنفسهم، كما أثبتت العديد من الدراسات وجود صلة مباشرة، بين الزيادة الحادة في تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية خلال السنوات العشر الأخيرة، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي في كل مكان، فضلاً عن تصنيف الباحثين لبعض السلوكيات التي يتبعها رواد تلك الشبكات؛ مثل السعي لاجتذاب مزيد من المتابعين، والظهور في صورة إيجابية أمامهم طوال الوقت، ومشاركة تفاصيل حياتهم معهم، ضمن صفات الشخصية النرجسية على وسائل التواصل وربما يصل لشراء الناس. فضائح المشاهير.. عند قوم فوائد ! كشف المحاضر بقسم الإعلام بجامعة الطائف ناهس العضياني ل«عكاظ»، أن للرسالة الإعلامية تأثيراً على الجماهير، وهذا التأثير متباين لعدة اعتبارات منها طبيعة الجمهور أو القائم على الاتصال أو نوع الرسالة أو الوسيلة وكذلك السياق العام للرسالة الإعلامية، ومن هنا أتت نظريات التأثير للاتصال والرسائل الإعلامية على الجماهير لدراسة نوع التأثير وطبيعته، ومن النظريات التي تدرس تأثير الوسيلة على الجمهور، نظرية الغرس الثقافي التي تقيس تأثيرات الرسالة على الجمهور؛ وتعني كثافة التعرض للتلفزيون والتعلم من خلال ملاحظة الصورة عبر الاستخدام الانتقائي للرسائل، والتي تقود المشاهد إلى الاعتقاد بأن العالم الذي يشاهده على شاشة التلفزيون هو صورة من العالم الواقعي الذي يعيش فيه. وكذلك نظرية ترتيب الأولويات التي تفترض أن الإعلام يمتلك القدرة على التأثير على الخطاب العام، وإطلاع عامة الناس على القضايا المهمة التي يواجهها المجتمع وبالتالي ترتب أولوياتهم؛ وفق أولويات الوسائل الإعلامية وغيرها من النظريات. التأثير السلبي على المراهقين حذرت شركة سايبر المختصة في الأمن السيبراني، من تأثير المشاهير على حياة المراهقين السلبي، والانجرار خلفهم. ومن السلبيات التقليد الأعمى للمشاهير والتقليد الفكري لهم، فالأمر لا يقتصر على تقليد المراهقين للمشاهير في طريقة اللبس أو المكياج أو الرياضة وغيرها، بل يتعدى إلى المستوى الفكري ما يصعب تغيره لاحقاً، ويكون له ضرر كبير على المراهق، خصوصاً إنْ كان التفكير يختلف عن عادات ومعتقدات المراهق. ومن السلبيات أيضاً التوتر والقلق والتشتيت لدى المراهق، نتيجة التقليد، ما قد يحدث حالة من التوتر القيمي لدى المراهق، ما يجعل قناعاته وثوابته مشوشة ومترددة، وقد يلهي التقليد المراهقين ويضعف تحصيلهم الدراسي ويؤثر عليهم بشكل كبير إلى جانب ظهور سلوكيات عدوانية وعنيفة، خصوصاً في حال التأثر بمشاهير الألعاب الالكترونية، التي زادت حدتها بعد ظهور ألعاب معينة في السنوات الماضية مثل لعبة البوبجي، وفي بعض الأحيان يصبح المشاهير المثل الأعلى للمراهقين، ما يؤثر على أفكارهم ومعتقداتهم وتصرفاتهم ولبسهم بشكل غريب ومريب، كما تتأثر شخصيات المراهقين بشكل كبير ما يؤدي لخلخلة التنشئة السوية. نظرية شراء الناس يضيف العضياني: لاحظنا في الآونة الأخيرة استخدام مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي لحشد الجماهير حول منتج أو خدمة أو حتى حول أنفسهم للتسويق، وهذا منافٍ لأخلاقيات الإعلام وابتعاد عن القيم الإعلامية القائمة على الموضوعية والمصداقية والدقة وغيرها، كما أنه تضليل للمجتمع والرأي العام، علماً أن المجتمع أصبح أكثر وعياً وفهماً لهذه الأحداث، ولكن هناك من ينقاد ويتأثر بهذه السلوكيات. فلا بد أن تكون هناك عقوبات من قبل وزارة الإعلام ممثلةً في الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، لمن يثبت استخدامهم هذه الأساليب في حشد الجماهير وتغييب الحقائق وتزييف الواقع من أجل الحصول على أموال الجماهير بالتدليس، حتى الأشخاص المشاركون في هذا التجمهر لا بد أن تنالهم العقوبات التنظيمية.