«رمتني بدائها وانسلّت».. مثل عربي شهير، ومعناه: عيرتني بما فيها وليس فيَّ.. فيضرب لمن يعيِّر الآخرين بعيب هو فيه. ثمة أشخاص يتهمون الآخرين بما ليس فيهم؛ كأن يتهم الطالب الكسول معلمه بعدم القدرة على توصيل المعلومة، أو يتهم الموظف المستهتر مديره بالشدّة والتحيز ضده.. هذه النماذج من الناس تدخل تحت هذا المثل: «رمتني بدائها وانسلت». ليس عيباً أن يفشل الشخص في دراسة أو عمل، فالفشل وقود النجاح، قد يكون ما كُلِّف به أكبر من قدراته، ولكن العيب هو أن يُسقط فشله على غيره ويلصقه بمن حوله لتغطية إخفاقاته، وهذا ما يُعرِّفه علماء النفس ب«ميكانيزم الإسقاط النفسي»؛ وهو آلية دفاع نفسية يتخذها «النرجسي» لإسقاط مشاعره السلبية وصفاته السيئة على الآخرين، فيمارس هذا الاسقاط دون إدراك لحماية «الأنا» لديه، ويُصنف هذا على أنه أحد أنواع الدفاع عن النفس؛ إذ إن إسقاط التصرفات والعيوب السيئة يحميه من الاعتراف بوجودها في شخصيته، ويضفي ذلك الإسقاط شعوراً بالراحة له، وصاحب هذا النمط يعكف على اكتشاف عيوب الآخرين بدلاً من اكتشاف عيوبه. وقد قال الشاعر المتوكل الليثي: وتراك تصلح بالرشادِ عُقولنا أبداً وأنت من الرَّشاد عَديمُ فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ إذن؛ أكثر معاناة نفسية منتشرة في المجتمعات هي «الإسقاط النفسي».. هذه العلّة موجودة لدى كل نرجسي أو فاشل أو مضطرب، وعند من يبني حياته على خيالات لا يمكن تحقيقها. لذلك؛ علينا تقبل وجود من يعاني «ميكانيزم الإسقاط النفسي»، خصوصاً أنه يمكن معالجته وتصحيحه إذا رغب المصاب به.. علينا بذل المحاولات لإصلاح هؤلاء، وإن لم نستطع لا نحمِّل أنفسنا فوق طاقتنا فنبتعد عنهم ونلتفت لتطوير علاقاتنا مع الأشخاص الطبيعيين الذين يفيضون بالسلام، فلا نجعل قلوبنا مشرعة لكل عابث.