من المبهج أن يرتبط اسم المملكة عالمياً في السنوات الأخيرة بالعمل على بناء المستقبل. ومن دواعي اعتزاز المواطن أن تكون الصورة الذهنية التي باتت ترتسم في الأذهان، أن المملكة العربية السعودية دولة فتيّة تنطلق بروح متحفزة نحو مصاف الدول المتقدمة، التي تهتم بأبعاد البحث العلمي والابتكار، وتعمل على تنمية ذلك بكل كفاءة وإصرار. فعبر عقود مضت كانت كل الأحاديث تصب في اتجاه واحد، وهو أن التفوق العلمي للغرب جاء نتيجة طبيعية لاهتمامهم بالبحث العلمي، وإنفاقهم ببذخ على هذا المسار، بينما العرب مجتمعين لا يهتمون بالبحث العلمي ولا الإنفاق عليه، وهو ما أدى إلى تراجعهم في الكثير من مجالات التطور. أما اليوم، بل وخلال سنوات قليلة، أصبح للمملكة إسهام في عالم البحث العلمي، من خلال جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست»، التي استطاعت أن تحقق مكانة علمية عالمية مرموقة، بين الجامعات العريقة، مثل: ستانفورد، ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، و«EPFL» السويسرية، وليس ذاك فحسب، بل كان لها إسهام نوعي، يتمثل في خلق حاضنة جاذبة للباحثين والموهوبين لإمداد العالم بباحثين على درجة عالية من العلم والمهارات والاحترافية، فضلاً عن الاستعانة بهم في كبريات الشركات العالمية والمؤسسات العلمية ومراكز الأبحاث، مثل نيوم، ووكالة ناسا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وغيرهم. إذن فها نحن الآن قد بدأنا، وقطعنا خطوات يمكن البناء عليها، والاستفادة منها في بناء صروح علمية وأكاديمية وطنية أخرى، تدفعنا نحو المستقبل بخُطى راسخة وقوية ومنافسة، خاصة ونحن نمتلك من الإرادة والرؤية وقوة القرار ما يجعلنا قادرين على تعزيز البحث العلمي والابتكار، والمساهمة في بناء مستقبل المملكة والمنطقة بأكملها في هذا المجال، من خلال الاستعانة بالعقول والكفاءات والمواهب السعودية ومن كل أنحاء العالم، أولاً لتحقيق أهدافنا وأولوياتنا الوطنية، وثانياً لتحويل العلوم والأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي، بما يُعزز من محفظة التنوع الاقتصادي الوطني، ويحقق مستهدفات برامج رؤية السعودية 2030. في رأيي أن الإستراتيجية الجديدة لجامعة «كاوست»، التي أعلن عنها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس أمناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الأمير محمد بن سلمان، ستكون نقطة إلهام وانطلاق جديدة، ليست للجامعة فحسب، ولكن لكل جامعات المملكة والمنطقة العربية، من أجل بداية تمتلك فيها السعودية زمام المبادرة العلمية والتقنية، لتصبح منارةً للمعرفة، ومصدراً للإلهام والابتكار، من أجل مستقبل المنطقة والعالم، فمَن صنع النجاح مرة، يمكنه أن يصنعه عشرات المرات، ما دام يمتلك الإرادة.