أزمة وجودية تواجهها إسرائيل في هذه الأيام، القضية ليست خلافاً بين فريقين سياسيين، ولا هي تنافس انتخابي بين حزبين، بل هي أزمة تطرح علامات الاستفهام حول مصير دولة تمّ تركيبها على أرض مغتصبة من شعب ما زال يقاوم ويقاتل ليستعيد أرضه، وهو الشعب الفلسطيني. المواجهة الإسرائيلية الداخلية هذه الأيام ليست مجرد مواجهة إسرائيلية وحسب، بل هي امتداد لمعركة تتشكل في الكثير من الدول الأوروبية والغربية، معركة بين مفهومين متناقضين لجوهر فكرة المجتمع والدولة والمؤسسات، وفي كل دولة تأخذ هذه المواجهة شكلاً من الأشكال، ها هي اليوم تعصف بفرنسا واستقرارها حتى بدأ الحديث عن الجمهورية الثالثة، وبالأمس عصفت بالولايات المتحدةالأمريكية وما زالت تارة من بوابة العنصرية وتارة أخرى من بوابة القيم الأخلاقية. إسرائيل كدولة وككيان تختلف عن كل الدول والكيانات الأخرى لأنها دولة غير أصيلة وغير متجذرة، عددها فوق الأرض الفلسطينيةالمحتلة يفوق بكثير أعدادها تحت هذه الأرض، بعكس الشعب الفلسطيني الذي تفوق أعداده في تراب فلسطين أعداده فوق هذه التراب. على خلفية كل ذلك، فإنّ ما يحصل في إسرائيل هو أزمة وجودية بالكامل؛ نحو مليون إسرائيلي نزلوا إلى الشوارع والطرقات محتجين على مدى أشهر، وما زال الاحتجاج ليس فقط في النقابات والأحزاب المعارضة، بل وصل إلى عمق جيش الدفاع الإسرائيلي حتى بات البعض من هؤلاء يتساءل: لماذا نقاتل على الجبهات؟ فيما الآخرون من المدنيين يجاهرون بأنهم يفكرون بالرحيل عن إسرائيل إن أقرّت التعديلات القضائية. أسئلة تتزاحم حول مستقبل هذه الدولة المحتلة، وبات القلق عند الكثير من الإسرائيليين ليس في حل الدولتين أي الإسرائيلية والفلسطينية، بل في مدى قدرة الدولة الإسرائيلية على البقاء والاستمرار، وهي أسئلة وجودية تقلق الإسرائيليين ومن يؤيّدهم في العالم الغربي؛ لأنها تعني نهاية الكذبة الكبرى. فلسطين هي الدولة المحتلة الوحيدة على الكرة الأرضية في هذه المرحلة، فالفلسطينيون لم يتوقفوا يوماً عن النضال والمقاومة، وما حصل في مخيم جنين أخيراً خير دليل على ذلك. إلا أن الإسرائيليين يبدو أنهم تعبوا من المواجهة للمرة الأولى وأصبح الإرهاق يصيب الاحتلال، فيما النشاط والحياة تدب في من جرى احتلاله. أيام عصيبة تعيشها إسرائيل التي باتت صحتها كصحة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو؛ الذي اضطر إلى الدخول للمستشفى لمعاينة سلامة قلبه، وإن كان الدخول إلى المستشفى حركة فردية واستشفاء الفرد ممكن وسط العناية الطبية، فإنّ دخول دولة برمتها إلى المستشفى أمر مستحيل، وعندما يصيب المرض دولة ما أو كياناً ما فإنّ ذلك مؤشر على بداية نهاية الاحتلال الأخير على وجه الأرض.