وكأن المنطقة كتب عليها القتال واستمرار حالة الغليان، فما إن تنتهي أزمة إلا وتندلع أخرى، وما إن يتوقف صوت طلقات الرصاص في بلد، إلا ويتجدد الاقتتال في بلد آخر، لم يكد الرأي العام يستبشر خيرا بالتحرك السعودي الناجح على عدة مستويات، أولاها: إعادة سورية إلى المحيط العربي، واقتراب عودتها إلى جامعة الدول العربية، وثانيها: اختراق الملف اليمني بإتمام واحدة من أكبر صفقات تبادل الأسرى والمحتجزين بين الحكومة الشرعية والحوثيين، وسط توارد أنباء عن اقتراب التوصل إلى هدنة جديدة في اليمن. وقبل كل ذلك، كان الاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات والممثليات القنصلية بين البلدين، وهو ما قوبل بارتياح وترحيب إقليمي ودولي. ووسط هذه الأجواء التفاؤلية والاحتفالية، فوجئت الأوساط السياسية والشعبية باندلاع الحرب بين جناحي المكون العسكري في السودان بقيادة قائد قوات الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» على خلفية رفض الأخير دمج قواته مع القوات المسلحة السودانية طبقا للتفاهمات والاتفاقات المعلنة والتي كان من المفترض أن تقود السودان إلى عودة الحكم المدني. وهكذا عصفت الخلافات حول المواعيد الزمنية لدمج «الدعم السريع» ضمن قوات الجيش بالجداول الزمنية المعلنة والمحددة سابقاً، الأمر الذي انتهى بنسف موعد توقيع الاتفاق النهائي بين القوى السياسية والمكون العسكري والذي كان مقررا له الأسبوع الأول من شهر أبريل الجاري. غير أن التصعيد الذي وصل إلى حد الاقتتال واعتبره البعض مفاجئا، كان متوقعا، وربما تكون المفاجأة الوحيدة في توقيته خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، على خلفية التباين الشديد في وجهات النظر بين البرهان وحميدتي. ويكمن الخلاف بين الرجلين حول تمسك الجيش السوداني بدمج عناصر الدعم السريع خلال مدة عامين، بينما يريد حميدتي وقادة الدعم تأجيل الخطوة لمدة 10 سنوات، وهو ما فجر المعركة بين الطرفين، والتي اعتبرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية، أنها «صراع جنرالين» على مساحة السيطرة والاستحواذ، رغم ما بدا أنها علاقة وثيقة بينهما. صحيح أن كثيرين كانوا يتوقعون الاشتباك بين «حميدتي والبرهان»، لكن انفجار القتال بشكل عنيف مطلع هذا الأسبوع، والسرعة التي انتشر بها في مناطق عدة في السودان خصوصا العاصمة المثلثة، كان مروعا ومخيفا، بل إنه تحول إلى حرب استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. وربما ما يلفت النظر في أسبوع الحرب الأول حتى الآن، هو تصريحات الرجلين، إذ يعتبران معركتهما مسألة «حياة أو موت»، وهو ما يصعب من احتمالات عودة المسار السياسي التفاوضي، خصوصا بعد إعلان الجيش أن «الدمج السريع» مليشيا متمردة، وأنه لاحوار معها، وأن المطلوب هو الرضوخ والاستسلام. وعلى هذا الأساس فإن السيناريوهات المرجحة للحل والوصول إلى تهدئة، تبدو حتى الآن بعيدة المنال، على خلفية فشل «الهدنتين» السابقتين في الصمود، لكن الأمل لا يزال قائما في محاولة احتواء الأزمة عبر المزيد من الضغط الدولي والإقليمي وصولا إلى هدنة طويلة تحت الرقابة الدولية، أملا في تغيير مواقف الطرفين والقبول بالحلول التوافقية لإنقاذ السودان والسودانيين من خطر الانزلاق نحو حرب أهلية، ربما تستمر سنوات وسنوات، في بلد يعاني من أزمات اقتصادية ومعيشية كبيرة.