في أيام طاش الذهبية ثمة من كره طاش كره العمى وآخرون أيدوا طاش «عمياني». كلا الطرفين لم ينظر إلى الطبيعة الفنية والدرامية للعمل وإنما إلى التوجهات التي يختطها طاش في بعض حلقاته. انتسب طاش إلى التنوير ومحاربة ثقافة القبور والسحر والويل والثبور. أثناء غياب طاش في السنوات العشر الماضية استقر الأمر في البلاد لمصلحة التيار الذي كان يقف مع طاش. توارت ثقافة القبور والسحر والويل والثبور بعد أن اختطت البلاد، بالحزم والعزم، طريق التقدم. لاحظت أن طاش العودة واجه نقداً واسعاً على السوشيال ميديا. قليل من النقّاد كتبوا بأسمائهم الصريحة والأغلبية بأسماء مستعارة. لكن الملاحظ أن قليلاً بذل جهداً للدفاع عن طاش العودة فضلاً عن مديحه. اعتدنا في زمن شهرة طاش أن نميّز بين مؤيدي طاش وخصومه. لا يحتاج الناس إلى البحث في جودة العمل في ذاته. بعد حلقة عن الهيئة على سبيل المثال تنطلق الأصوات لتتصارع على موضوع الحلقة، لا أحد يلتفت إلى القيمة الفنية. هل ما جاء في الحلقة صحيح أم أن طاش يبالغ في تبشيع تصرفات الهيئة لينال من المحتسبين الأشاوس. لم يكن للفن قيمة في التجاذبات بين الطرفين، فسار وتطور طاش في اتجاه النقد الاجتماعي والكوميديا منخفضة التعقيد دون الحاجة إلى التطوير الذاتي كفن. هذا قاد إلى مشكلة أمام طاش العودة، هل النقد السلبي الذي تلقاه طاش العودة على حلقاته نقداً بناءً خالصاً لوجه الفن أم أن بقايا أصحاب ثقافة القبور والسحر والويل والثبور مازالت قلوبهم مليئة بمرارة التواري والخروج من المشهد، فتربصوا بعودته بعد أن كسوا أنفسهم ملابس جديدة. بيد أن الحقيقة أن كثيراً من الملاحظات التفتت إلى مستوى الجودة المنخفض وهذا النقد لم يعتده طاش في تاريخه الذهبي الطويل. حينها لا صوت يعلو على صوت المعركة. في الوقت نفسه تلمس أحياناً أن هناك من قلب الأمر كي يبدو نقده غيرة على الفن والوطن والمجتمع. بعد أن كان البيت مكان المرأة الوحيد ومملكتها التي لا تبرحها صار من حقها العمل وكسب العيش ولكن ليس بهذا الابتذال الذي نراه. ما جاء في العبارة السابقة بعد (لكن) هو جزء من النقد الذي واجهه طاش العودة وما تواجهه الفعاليات التي تجري في البلد. غالباً هذه (لكن) تتبع بسؤال يقطر براءة: ما الفائدة من الحفلات الغنائية والصرف على المطربين والمطربات أليس الأجدى صرف هذه الأموال على ترميم المدارس. معظم الأسماء التي كانت تدافع عن طاش في الزمن الجميل إما صمتت أو تعاملت مع طاش بوصفه عملاً تلفزيونياً كأي عمل آخر وجب النظر إليه كعمل فني لا عمل خدماتي أو أيديولوجي. لم يعد طاش التنوير تنويرياً. لا أحد في حاجة للدفاع عن أداة قديمة انتهت صلاحيتها. الذي شاهد حلقة 19 (شين باء واو) سيرى أن إخواننا الليبراليين تخلوا عن طاش. على الرغم من أن هذه الحلقة هي أفضل الحلقات التي قدمها طاش العودة من الناحية الدرامية وأداء الممثلين ومع ذلك قلما سمعت من قال عنها كلمة مديح تطيب الخاطر. الأمر الذي يعني أن نقد الخدمات ومناكفة التيارات أصبح متاحاً للجميع عبر السوشيال ميديا ولم يعد الفن مكاناً له. يؤكد طاش العودة أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء. لعل ما شاهدنه هذا العام من طاش كان تلويحة الوداع الأخيرة.